الأحد، 30 أبريل 2023

يا للاسف!




دخلت اليمن السوق - حاليا -لا الوطن، في يدي ورقة تتضمن قائمة ثلاث انواع من الخضروات يحتاجها مطبخنا ولم يكن هناك أي داعي لكتابتها لأنها ثلاثة خضروات فقط لا مجال لنسيانها. بصل، طماط وبطاط.  غادر اليمن منذ فترة طويلة جنودها أمان، عدل وطموح. كذلك طارت بعيدا عن السوق أجنحة الطمأنينة، الكرامة، الحرية والمساواة. لم يتركوا لنا من ضرورة مُلحة إلا المأكل والمشرب حفظهم الله وأبقاهم. الزاد ضروري من اجل بقائنا احياء. لذلك قصدت سوق اليمن لشراء متطلبات مطبخنا.

وقفت لدى البائع الأول طالبه منه كيس علاقي لكي اضع فيه الخمس حبات بصل الذي سأنتقيهن. ناولني الكيس قائلا: - " تأبى السعودية أن تترك لليمن ولو منفذ يدخل إلينا منه الاستقرار. تعبنا حرب!" ثم اضاف ان السعودية عدوة وأننا اليمنيين لن نتنفس الصعداء مالم تُهزم السعودية. لم افهم لماذا يقول لي هذا الكلام. انه كلام اولاً معروف لدينا جميعا وثانيا أنا زبونة وهذا ليس حديث مقبول بين زبونة وبائع خضروات. لم أعلق بكلمة. ما دخلني أنا ليقحمني برأينا؟ اعطيته الكيس لكي يزنه بصمت تام. اخذ مني الكيس مضيفا ان السعودية تستكثر علينا الأمان بينما هي مقبلة نحو نهضة عمرانية واجتماعية عظيمة. التفت الىَ ملاحظا أنني لم اتفوه بكلمة، وبخني غاضبا: -" أنتِ من المرتزقة؟ هاه؟ استشعرت إنك منهم. لا أريد أن يشتري مني مرتزقة. اذهبي."  وكالعبيد ذهبت. لم اقل له المكممون لا يتكلمون، فكيف أتكلم؟ لم اقل له انني في زمن علمني الصمت والخوف ويعلم الله ماذا بعد سأتعلم؟ انا جئت اشتري بصل فخلي لي حالي! ابتعدت منه وهو لا يزال يغمغم ان البلاد لن تصفو لليمنيين الا بتطهيرها من المرتزقة. وهل شراء بصل هو ارتزاق فماذا ُيسمى إذا من يبيع اليمن يوميا جملة ووصلات؟

وقفت لدى البائع الثاني وأنا التقط انفاسي. اتعبني البائع الأول، ما مشكلته معي؟ جئت لأشتري بصل وليس لكي اتجرأ على الكلام في السياسة. سمعته وأنا ابتعد يرفع صوته قائلا ان العملاء لابد من قصقصة رؤوسهم لكي تصفو البلاد لأهلها. لم أعلق ولا حتى نظرت اليه نظرة احتقار. البائع الثاني تفحصني من رأسي حتى أسفل قدمي كأنني ما جئت لشراء خمس حبات بصل بل تقدمت لنيل لقب ملكة جمال الباقيين في اليمن.

وقفت أمام البائع الثاني اطلب منه كيس علاقي اضع فيه البصل الذي سأنتقيه وانا متوجسه منه شرا. هناك رجال كثر ويتكاثرون متخذون من المرأة شماعة. فإذا سقط على وجهه في الشارع قال ان البنات العابرات في الشارع غير محتشمات وانه لم يستطع غض البصر فلم يرى الحجرة فسقط على وجهه! حتى ثلة من الفاشلين يعزون بطالتهم من أن الفتيات يستأثرن بالوظائف. هناك من يظل نائما طوال يومه ويبرر انه لا يملك تكاليف الزواج وهو اساسا شاب نائم لن تقبل به أي فتاة. اعطاني البائع الثاني الكيس وهو يسألني: - " الا أخ لديك او زوج يأتي هو ليشتري مستلزمات غدائكم؟" تعجبت مما قال لأنني قصدت محل بيع خضروات لا دكان ختانة! تركته هو ايضا وذهبت للبائع الثالث. كان البائع الثالث هذا يتابع محادثتي مع البائع الثاني. للأسف الرجال الذين يؤمنون ان البنت شقيقة وشريكة.  انها جديرة بالاحترام، التقدير وتستحق ان تحيا حياة كريمة كلهم رحلوا من اليمن السوق ولم يبق فيها الا هؤلاء الباعة! وقفت أمام البائع الثالث وقد بدأ شيئا يشبه الخوف على نفسي يسري في روحي. لاحظت ان خضاره ليس طري فتركته هو ايضا بسعادة. فيما بدا لي انه اغتاظ كونني لم اشتر منه فسمعته يقول: -" الله يستر على بناتنا. صرن يزاحمن الرجال بالأسواق!" تمنيت لو لم أكن رعديدة لألتفت اليه واخبرته ان النساء في الدول المتقدمة يتنافسن مع الرجال على بلوغ القمر وليس على شراء خمس حبات بصل، يا بطل! لكنني لم انطق بكلمة.

وقفت أمام الرابع ونويت أن يكون الأخير. بادرني قبل ان اطلب كيس أنه يتفق مع البائع السابق واضاف: -" لديه كل الحق. السوق للرجال. النساء مكانهن في البيوت معززات مكرمات." كدت اقهقه في وجهه غير أنني ابتلعت ضحكي. هو نفسه لا معزز ولا مكرم فمن إذاً سيعز المرأة ويكرمها؟ رأيت فتاة تقف على مقربة منا. المشهد شجار. كان شاب يهاجمها لأنها تعلق على كتفها شنطة بيضاء متسخة. قائلا ان اللون ملفت ومغري. استعجبت كيف لحقيبة ان تغري؟ ثم صاح أن "ارحمن الشباب غير القادر على الزواج." تأملت حقيبتها واشجتني حالتها. زرها متدلي، متسخة، فاضية ولونها ابيض! شعرت ان لو كانت تلك الحقيبة تتمني لتمنت أن تطير. التفتت الىَ الفتاة ورأيت في أحداقها طوق نجاة، لعلها وجدتني كذلك. اقتربت مني كأنها تتوسل دعم. انا تعلمت مؤخرا الصمت والخوف ومثلي و يا للأسف لا يدعم.

تلك الفتاة تختلف عني كثيرا. صوتها عالي وصرخت في وجه البائع ان يحترم نفسه. قوية، لكن مما لا شك فيه انها كانت مثلي خائفة. قام البائع بدفعها بيده الملفوفة بالشال صارخا فيها ان تخرج من السوق. نحن يا يمن نشتري بصل فلم لم يعاقب أحد من باع اليمن؟ التخلف والرجعية باتت في اليمن كالوباء. يتجمعون على سيرة الإناث ويتركون جثة الوطن ملق على قارعة الطريق.

امسكت الفتاة بمعصمي وتراجعنا بضع خطوات للخلف. شعرت كلا منا بالحاجة للهروب. قال مشتري كان يشهد الموقف أن النصر لم يتحقق في اليمن بسبب البنات! خفنا لأن شعور الشماعة سيء. استدرنا وخرجنا من السوق وسط اصوات متعالية متداخلة. هربنا بخطى ليست ركضا لكنها سريعة. حين ابتعدنا سألتها لماذا جئتِ الى السوق؟ اجابت ضاحكة انها ما عادت تذكر. اما انا فطبعا لا اذكر ايضا... من يذكر؟ ربما كنت اريد ان اشتري خس. انسونا الهدف، ماذا كان الهدف؟ ماذا كان الهدف؟ هؤلاء الناس انسونا الهدف.  يا للقرف!

 

 

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

ما شاء الله قصة رهيبة ومعبرة فعلا للاسف هذا هو الوضع

غير معرف يقول...

احسنتي سلمت أناملك الذهبية ياسلاوي رهيبه

غير معرف يقول...

ي الله ما احلى التفاصيل 🥹 واقعيه حسيت نفسي فيها وتخيلت كل موقف كتبتيه
جميله كتاباتك جدا 🥹❤️

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
Mohammed يقول...

الله يسهل و تفتك البلاد من هذه الحرب والاوضاع

Salwa Aleryani يقول...

شكرا لكل من علقز