الخميس، 3 مارس 2022

ضال

 


اؤمن جدا بقانون الجذب. اذا فكرت – على سبيل المثال ليس إلا – ان اللبان الذكر يفيد جدا لعلاج السعال اجدني في نفس اليوم ادخل أي سوبرماركت كبيرة  لأجد سيدة تشتري لبان ذكر. فأبتسم للجذب الذي جعل هذا المرأة تشتري لبان ذكر في نفس مكان تواجدي و في نفس يوم تفكيري بفوائد اللبان الذكر. مثال أخر؟ افكر في يوم أنني أريد انزال ستائري الجميلة لغسلها لأنها اصبحت متربة فأصل عملي لأسمع زميلة تعبر عن تذمرها من لون الماء الذي صار أسود حين غسلت ستائرها وكم صنعاء مغبرة.فأبتسم للقانون الظريف هذا. كم حاولت افكر بولد صغير اسمه "فرج" يحل ضيفا مؤبدا في بلادي اليمن لكن للأسف لم يعمل قانون الجذب في جلب فرج. ولاشك ان لله حكمة. ولد اسمه فرج ، بنت اسمها فرح. أي شيء يا ربي ترضاه لنا فأنت تعرف مقدار التعب.


 

اقرأ كثيرا منشورات في الوتس  يرسلها فاعلين خير مرفقة بصورة طفل ضائع او طفلة ضاعوا من والديهم. طريقة النشر عبر الوتس تكون احيانا ناجحة في استرجاع الاسرة لابنهم الضال. احيانا يجدون الطفل الضائع في مدينة غير مدينة سكنه مما يدل ان تجارة الاعضاء البشرية نشطة جدا. هذا الجرم اللاخلاقي الذي يغضب كل من له حس انساني. فكرت بهذه المنشورات وخرجت من المدرسة عائدة الى منزلي. لفت نظري تجمع ناس. اقتربت سألت سيدة كانت تقف جانبا عن سبب تجمع الناس فقالت انهم وجدوا طفل تائه. ضربت جبهتي بقاع يدي غير مصدقة كم يترصدني قانون الجذب هذا. الا ولد اسمه فرج او بنت اسمها فرح فقانون الجذب هذا لا يعرف طريقه الي. استرقت النظرمن بين الاجسام فعرفت سبب الناس الذين تجمهروا حول الطفل. كان الطفل في السادسة او السابعة من عمره وما ان وقعت عيني عليه حتى تمتمت:-" سبحان الله ما اجمله." كان ابيض، متسع العينيين و رموشة كثيفة . شعره ناعم ومورد الخدين والفم. لمحته من بين الواقفين يبكي بحرقة و الم . استغربت لأنني لم ارى دمعه مثل دموعنا. ماء و ملح. كانت دموعه بيضاء لامعة كأنها لؤلؤ. سمعت رجل وقور يقول بأنه سياخذه للشرطة فتعالى الاعتراض على هذا الاقتراح. اقترحوا على الرجل ان يأخذه هو ويصوره ويرفق بالصورة رقم موبايله و اكدوا له ان هذه اسرع و انجح طريقة. سمعت الرجل يطمئنه:- " لا تخف يا بني. قل لي ما سمك؟" لم استطع سماع  اسمه. كان الولد يشير الى صدره و يرد لأن شفتيه تحركت لكن الناس كانوا  يلعنون اولئك الاهالي الذين ينجبون الاطفال ثم يتركونهم للزمن في الشارع فلم اميز اسمه.  اخذه الرجل طالبا الأجر من الله. تفرق الجمع.

واصلت سيري الى منزلي و انا استرجع بتعجب لما كانت دموعه تبدو لي مثل اللؤلؤ؟

صباح اليوم التالي غادرت منزلي متجهة للمدرسة القريبة من داري لكنني رأيت امامي ما جعلني اتسمر واقفة. رأيت طفل امس الضال يقف في الشارع باكيا و حبات اللؤلؤ تتساقط على الأرض. لماذا تركه الرجل الوقور؟ هل هرب الطفل؟هل كان الرجل الوقور ذاك يمثل امامنا؟ للأمانة اكثر من نصف الشعب اليمني بات يحترف التمثيل؟ لكن الله وحده يعلم. اقتربت منه اربت على شعره الناعم الجميل وطمأنته قائلة:- لا تخف ، تعال معي سأجد لك والديك." مسك يدي بلا تردد. مشي معي بلا أي خوف. يبدو انه يتسول ملاذ. يبدو انه لا يقاوم احد. يريد أي طوق نجاة يحميه من وحشة الحياة. كان يبكي بلا صوت. فأخرجت منديل من حقيبتي ومسحت دمعته فتفاجأت ان ملمسها صلب. تلمع بشدة. هل يبكي الولد لؤلؤ؟ يا للاسطورة انها حبات لؤلؤ فعلا! اشتريت له ساندوتش بيض وعصير ليمون و جلس يأكل بيد واحدة وهو يبكي و دموعه لؤلؤ يتدحرج في الشارع. كان يأكل بيد واحدة لأنه امسك يدي بيده الثانية.مسكين. اكمل الأكل فسألته :- "ما اسمك يا بطل؟" اشار الى صدره وتحركت شفتيه لكنني لم اسمع صوته. هل هو بلا صوت؟ أو ربما بلا حبال صوتيه؟ وصلت المدرسة. حكيت لزميلاتي عنه. تبادلن رفعه و الطبطبة عليه. اسريت اليهن انني لم اسمع له صوت و لولا انني صفقت وسمعت تصفيقي لشكيت انني قد اصبت بالصمم. تعجبن هن ايضا. سألنه :- " ما اسمك؟" فيشير بوجه دامع الى صدره ويجيب. سألت زميلاتي بلهفة:-" هل سمعتين اسمه؟" بدأن يرفعن اكتافهن استغرابا مؤكدات لي انهن مثلي لم يسمعن له صوت. اشفقت عليه اكثر. تركته لأخطر المديرة التي سارعت بالحضور لتكلمه. فزعت عندما رأت دموعه سألتني باستنكار:- " من اين جاء هذا الولد؟ دموعه لؤلؤ؟" رفعت كتفي لأنني فعلا كنت لا ادري من اين اتى. ربتت المديرة على شعره الجميل و اعطته ورقة و الوان ليرسم. فرسم ليذهلنا جبال، شمس،طفل وحيد له دمع يبرق مثله.سألته الأستاذة المديرة: -" ما اسمك يا ابني. لا تخف . انا مثل امك." يشير الى صدره وعيناه غريقة بالدموع ويحرك شفتيه لكن لم يسمعه احد. قالت المديرة ان دموعه على الارض لؤلؤ و جمعتهن في كيس. قالت ستأخذه لان دائرتها الاجتماعية في غاية الاتساع وانها ستجد والديه بالتأكيد. رحبت بفكرتها لأن آخر ما ينقصني في الحياة هو ايواء طفل صغير. سرحت في منظرها وهي تجمع الدموع. هل جمع الرجل الوقور ذاك دموعه ثم اخرجه الشارع. الله اعلم.  نحن اليمنيين قلوبنا ارق الأفئدة لكن منذ قامت الحرب تحول البعض منا الى وحوش. حرفيا وحوش.  اخذته انا بعدها الى قسم تمهيدي فتزحلق ولعب مع الاطفال. امسك بيد الاطفال. كان يسير معهم حيث يسيرون . يلعب وهو يبكي. سأله احد الأطفال:- " لماذا تبكي؟" فأشار الى صدره واجاب لكن لم يسمع احد رده. سمعت زميلتين يتجاذبين اطراف الحديث ان دموعه ثروة. عندما انتهى الدوام المدرسي اخذته المديرة و دعوت الله ان تجد اهله. اخذته وعدت انا الى منزلي. وجدت تجمع بشري مهول. الأمر فيه شيء مريب. اختلست النظر من بين الأجسام لأجده نفس الولد الباكي الجميل. كيف هرب من المديرة؟ ام انها اخذت دموعه و اخرجته الشارع ليلقى مصيره؟  هذا الطفل لم و لن يجد له اهل. يسرق الجميع دموعه ثم يتركونه لكلاب الشوارع يتنازعونه. اقتربت منه وما ان رآني حتى هرع الى يحتضنني و يبكي على كتفي و الناس تتدافع لتستولي على دموعه المتدحرجة على الأرض. كان يشهق من شدة البكاء فأبكاني انا الأخرى. سألته:- " هل تكتب؟" هز رأسه بالايجاب. اخرجت من حقيبتي قلم احمر اصحح به و ورق طلابي.  قلت له :- " ما اسمك؟  


اكتب اسمك يا بني." فكتب. :- " انا اليمن. امي تركتني للشارع و ابي غادرني وذهب. اما اخوتي فخائفون . ليس لي احد." مسكين هذا الولد ما دام طلع بلد.

سلوى الارياني

هناك 12 تعليقًا:

Wedad Ahmed يقول...

جمال السرد مدهش والتشبيه جميل جدا خلته ولدا ضائع حقا في البداية احسنت عزيزي سلوى

Unknown يقول...

كلام جميييل والتعبير اجمل..

فرح يقول...

قوي قوي رائع التشبيه تخيلت كل تفاصيل القصة! بديعه يا ماما🤍

Salwa Aleryani يقول...

شكرا وداد على القراءة و شكر مضاعف على التعليق

Salwa Aleryani يقول...

شكرا

Salwa Aleryani يقول...

شكرا فرح سعيدة بتعليقك

غير معرف يقول...

قصة معبرة جدا رسمت تفاصيلها بلغة بليغة جميلة ممتعة حتى اني تمنيت ان تطول القصة

Salwa Aleryani يقول...

شكرا جزيلا على القراءة و على هذا التعليق الجميل

Suzan يقول...

عشت مع القصة وتأثرت وكنت انتظر ان يكون اسمه فرج ، وصف مدهش يعيش معه القارئ ، ابدعتي في وصف بلادنا ومشاعر الحزن وثروة البلاد الضائعه
استمري عزيزتي وبالتوفيق دائما

Salwa Aleryani يقول...

اشكرك سوزان على القراءة و تعليقك الجميل.سلمتي

Unknown يقول...

جميل هو ماقرات والاجمل هو ان يكون الكاتب مثلك. احسنت الطرح.جعلتينا نعيش الحدث وكانه امام اعيننا.نسال الله ان يرد يمننا الحبيب كما كان واجمل.

قارئ يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.