السبت، 12 يونيو 2021

محتالة ربما...



أنا مللت حد دق رأسي بالجدار ...مللت حد عض أصابعي بقوة...مللت جداً يا ناس مللت جداً.وأنت يا قارئي أما مللت ؟ مللت دور الذيل، فلست  ذيل – كما لا يُخفى على أحد – بل أنسان له وطن، كرامة وكيان. أتلفت في كل الجهات. يمين، شمال،شرق، غرب،أعلى وأسفل فلا أرى إلا الذل كثبان. مللت الدور الذي أقحموني ُحكامي فيه ، دور الذيل الذليل. و أنت يا قارئي أأنت مثلي تواق لصبح الحرية عقب هذا الليل الطويل؟

يمر عمري كما عمرك يا قارئي بلا نشوة فوز. بلا طموح نبلغه.بلا شهيق بلا زفير. داخل عالم النجاحات نتخبط صرعى بلا دليل. يمر آخر عمري و أنا مكممة وأنا من أتكلم و أكتب..قد كنت اخطط أن أغني لكي – بمساعدة الموسيقى -  افصح في التعبير. بإختصار تمر أعمارنا دون أن نعيشها، بإختصار نعيشها  إحتضار.  لا هذا مبالغة و لا تشاؤم و لا حتى إكتئاب. أنا بصدق أصف الحال. أنسانا حُكامنا ماذا كنا - في الأصل- نريد. إذا رأوا مواطن جائع أمرضوه لكي ينشغل بإيجاد العلاج فينسى القوت، و اذا اثقله همه قذفوه بهم جديد. معهم مصانع للهموم،حسبنا الله الملك القهار ونعم الوكيل، يوزعون مجانا من الهموم  للمواطنين كراتين. أهذه حياة بالله عليكم أم حفلة تنكرية، تنكرت فيها الحياة  وراء قناع الموت؟ أجبرونا حُكامنا على الصمت. حتى الكلاب تنبح اذا غضبت. أما نحن  نغضب دون أن ننبس ببنت شفة، لأنهم سيرموننا داخل بركة  قاذورات نتلاشى داخلها اختناقا ومع الوقت نذوب. يمر عمر كعمري سنوات طوال ، بخسة كأنها من الأيام ثمان. لا إنجاز فيها و لا نجاح . ماذا تفرق إن كان عمري عشرون عاما أو ثمانين؟ كلها مشاريع فاشلة بلا أرباح!

الاحظ  في اليمن ان المارة في الشوارع والعابرين بسياراتهم إذا لمحوا مجنون شاب يضحكون من خصلات شعره الطويلة الملفوفة. يستهزئون بحفاه. أما أنا فيجتذبني الضياع الرائع داخل أحداقه. أحسد نظرات التيه. الله عليه الله. ماذا جعله يجن؟ هل تراه جن عقب شعور حاد بالملل من دور الذيل الذي أشعر به؟ ملل يخرج من رحم اليأس. علام يضحك الناس عند رؤية مجنون علام يضحكون؟ لعلمكم – يا أغبياء – هذا المجنون تحرر وأنتم تقتاتون علف الذل في السجون. أنا هنا أكلم الضاحكون.

اضحكوا يا من ستضحك عليكم الأجيال. فما كان جدنا ذيل بل ما كان أيا من أجدادنا أذيال فممن ورثتم ورث الخنوع هذا وهذا الانصياع و الخضوع ؟

...... فجأة....                                                      

رأيت طابور طويل جدا من النمل.  عندما أقتربت منه أتضح لي أنه طابور طويل من المواليد . يصلون الى هنا ليستلم كل منهم صندوقه من "النصيب". الصناديق كلها ذهبية تسلمها للمولود أرواح ليس لها ملامح واضحة، قد تكون ملائكة. ياخذ المولود صندوقه ويمضي ماشيا في درب الحياة الطويل. بعض المواليد لم يكن صندوقها سليم. بعض الصناديق مشروخة. بعضها بلا غطاء, بعض الصناديق صفيح. بعض الصناديق ذهبية و مطرزة بالياقوت. بعض الصناديق ما أن يتسلمها المولود حتى يموت. أنه بلا شك مكان لإستلام النصيب و ما سوف يكون. تمنيت أن أكون مثلهم مولودة و استلم مثلهم صندوق. ليس لي بل لليمن. التحقت بالطابور و رمقني المواليد بإستهجان. كانت نظراتهم تسألني ماذا أتى بك هنا و أنتِ كبيرة؟

كبيرة صح..أنا كبيرة يا صغاري لكنني مثلكم لم أعش بعد حياة البشر بل قضيت عمري في حظيرة. اسمحوا لي أن اقف في طابوركم و تجاهلوا كوني كبيرة. أسمحوا لي أستلم صندوق – ليس لي بل لليمن -  رب صندوق يغير حياتي في اليمن وينهي أيام اليمن المريرة. رب صندوق يزيل كل ما يحيط باليمن من مكائد محلية شريرة.

اقترب دوري من بوابة تسليم الصناديق.خفت أن ترى الأرواح أنني كبيرة. قد حفر الزمان الخطوط على جبيني.خشيت ألا تجد الأرواح في ملامحي ملامح الجنين الوليد الجميلة. كان قلبي يخفق. يا رب اجعلهم يسلمونني صندوق ذهب لربما  ُتسعد و ترى النور اليمن بلادي الضريرة. كنت كلما أقتربت من دوري تسارعت دقات قلبي وأرتبكت .كانت المواليد تأخذ صناديقها دون نقاش او تساؤل. طبعا!! من يعترض على ما هو من الله مقدر ومكتوب؟ أما اليمن فأنا أطالب بصندوق جديد له، لأن حكامه كانوا يستولون على محتويات صندوقه و يسلمونه عوضا عنه تابوووووت!!

جاء دوري. تأملتني الأرواح. بدأت أخاف. ليس في ملامحي فم بلا أسنان ولا يدي غضة صغيرة. نكست جبيني بحياء . محتالة ربما... لكن من أجل اليمن سأواصل المسيرة. أنا لا أريد صندوق لي. صندوقي قد أستلمته يوم كنت مولودة وعرفت محتواه. أنا أريد صندوق جديد لليمن الجريح. أريد غد أفضل. أريد إزدهار جلي  ونجاح صريح.أريد اليمن مدني مثقف حر. أشتاق لفخر أشعر به تجاهه، مللنا الشعور بالحسرة والأسف عليه. أريده قوي و القانون سيد الجميع ، مللنا حُكامنا ينهبونه ثم يمضون.أريد اليمن يتزاحم السياح في مطاره  فينبهرون بجمال التضاريس والطقس. يعجب السياح بأخلاق اليمنيين وكرمهم  و إتصافهم باللين و البأس.لكن يا للوجع حتى المطار كسيح! أريد أن افتخر وأزهو كوني يمنية. لا أريد اليمن أن يكون تابع لأحد. و لا ذيل لأحد. و لا تحت أمر أحد. صوته من عقله. واقعه من عمله.أريد اليمن بلا لصوص. يأخذ الكل حقه، وحق الأسد مثل حق الصوص. أريد المعيشة في اليمن بسيطة. أريد حقوق المواطن مكفولة. أريد العدالة مبصرة تتمتع بأجمل و أروع بصيرة. هكذا اريد بلادي اليمن... فإذا دنى مني الأجل لا أحزن لفراق احد لأنهم أهل اليمن العادل، القوي الأبي، حيث لا ُيظلم فيه أحد، لا اليمن الذي يفترس الحقوق!

سألتني الأرواح بريبة:- " أما استلمتي صندوقك؟" تحرجت أن أكذب فأجبت:- " بلى أستلمته لكنني أتيت اليوم أستلم صندوق موكلي اليمن. أمانة صندوق ذهب أمانة. " سكتت الأرواح تتبادل نظرات تعجب.

لم أعرف هل أعطوني صندوق أم لا... لكن لا بأس فقد كان حلم. و كنت أحلم و في المنام يحلم الانسان انه يطير و هو لم يطر...ويحلم انه ناجح وهو محبط، يحلم انه بصحة جيدة و صحته معتلة عليلة.

لكن... ترى لو كنت واصلت نومي هل كانت الأرواح في حلمي ستعطيني الصندوق أم ترى حُكامنا الأبالسة  كانوا قد اخترقوا حلمي و كانوا سيجبرونها تسلمني لا صندوق ذهب... بل حصيرة!


هناك 12 تعليقًا:

Unknown يقول...

اليمن لن ترى النور طالما و إخواتها العرب في كل نهضة لها تقوم بوأدها قبل ما تتنفس ثمارها.

اليمن لها الله و الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

Intsar يقول...

رائعة دائماً باسلوبك السلس
فعلاً ليس لدينا الا مصانع للهموم

Unknown يقول...

هوني عليك يا صديقتي، ستفرج باذن الله

Unknown يقول...

العزيزة سلوى
رائعة دائما كتابتك ولها نكهة خاصة بلتعبير🌹

Arwa Aleryani يقول...

روعة ان شاء الله ستحصل اليمن على صندوقها
صندوق ذهبي مرص بالصدق والامانة والاخلاص والحب

فرح يقول...

بديع يا أمي♥️ باذن الله غد اليمن بيكون أجمل، بإيمان وجهد الي ما زالوا يحبوا الوطن

Salwa Aleryani يقول...

شكرا لجميع من علق. تعليقاتكم تسعدني.

Salwa Aleryani يقول...

تسلمي لي

Unknown يقول...

رائعه ياسلاوى كما عودتينا كان حلم جميل جعلتينا نتمنى يكمل ونعيشه موفقه دايما وربك كريم بيجعل الحلم حقيقه احسنتي

Unknown يقول...

الله عليش يا سلوى كلام يبكي الروح قبل العين الله يخارجنا بس 😭😭 ولمتى عيجلسوا الناس ع هذا الحال وحقوقهم بتنتهك وهم مثل المسحورين💔 يا رب افرجها من عندك.. انتي دايما. مبدعه حتى مبدعه قليله بحقش كيف بتوصفي الوضع ،نسأل الله السلامه.💓

Unknown يقول...

إن شاءالله صندوق ذهبي ، رائعة يا سلوى❤

Unknown يقول...

روايه رائعه واسلوبك اروع