مقالات " أف "
17
درس أمي
أمي درس تعلمته دون فصل و لا سبورة و لا مدرسة. دروس أعجبتني ودروس لم
تعجبني لكنني حفظتها عن ظهر قلب او كما كانت أمي تسمي الحفظ صم تقول اذا حفظت شيئا
غيبا تقول" غيبت السورة الفلانية" اين انتِ اليوم يا أمي ، غيابك عزلني
وطواني و ذكرياتك في الزوايا غيبتني. منذ فارقت رحمها وأنا أتأملها و بلا وعي و
دون قصد اتأثر بها لأنها كما كانت ترى الصواب و الخطأ ربتني . حتى ما كنت اختلف
معها بخصوصه وجدتني كلما كبرت تطبعت به حتى انني كنت استغرب مني. كثيرا ما سألت
نفسي، ما بي؟ لما اتكلم هكذا؟ هل أنا ابنتها أم أنا أمي؟ شئت أم ابيت... اتفقت مع
دروسها او تمردت... هي علمتني، هي علمتني .
صوتها اسمعه ، لم يروح صداه من اذني.
فجأة و قد كبرت أمي.... شابهتها عندما بدأت أكبر أنا الأخرى لدرجة
انني اخفتها كم اشبهها في تصرفاتها واخفتني. عجيبة الأم كيف تمتد فينا ، هل هي بشر
أم حبل يمتد بامتداد السنينَ؟ عجيبة الأم كيف برغم قطع الحبل السري الا ان صلة
امتن و اقوى تمتد منها الينا شئنا ام ابينا. آرائها في الناس ، كم اختلفت معها غير
انها بعد ان رحلت على حين غفلة و فارقتني بدأت اؤمن ان آرائها كانت على صواب و
انها كانت محقة. اقتنعت انها كانت صاحبة رؤية و وجهة نظر . كنت اعارضها حينئذ
فتبتسم بثقة و ترد برقة:- " سترين انني كنت محقة." وماتت أمي... نعم يا
أمي. كنتِ على صواب، قلبك كان يدلك عليه ،
كل ما كنتِ تقولينه كنتِ فيه محقة.
بعد ان متي.... اريد ان ازورك في قبرك و اليوم انتِ يا حبيبتي تحت
التراب. احلم بشيء محال ان يتحقق محال. ان احضر لزيارتك و لا يتجمع حولي الأطفال
يتسولون، لا يتركوني و شأني أبكيك يا أمي ، و محال الا تقف بجانبي زوجة حارس المقبرة لسكب ماء على
قبرك و انا اقرأ لك الفاتحة. احلم أن اصل لزيارتك و لا يكون في المقبرة سواي و
قبرك و قبور موتى آخرين لكن لا أحد سواي في المقبرة. اريد ان يتركوني معك دون تدخل
من أي غريب. اريد ان اجلس بجانب قبرك اكلمك و لوكنتِ لن تسمعين. اريد ان اخلو
اليكِ ، اسأليني إن شئتِ عن من تشائين. عندما تفرغين من كل اسئلتك يا أمي ، لبرهة
اصمتي لأسألك انا
:- " ماذا تعلمتي من درس الموت ، و أي الأشياء انتِ الأن
تشاهدين؟ كلميني يا أمي، هل تسمعينني؟ هل رأيتِ من سبقوك في الموت؟ هل ترينني انا؟
هل تعرفين انني ابنتك جئتك زائرة... امي ، انا حائرة كيف بعد ان متي ، صرت هكذا
اشبهك. أمي كنت انا احب الشاي مع الحليب و انتِ تحبين القهوة القشر و صرت مثلك احب
فقط ما تحبين . أمي صرت مثلك اتوضأ للصلاة باكرا و اجلس بانتظار الأذان... ولطالما
سألتك :- " ماما لماذا هكذا باكرا تتوضئين؟" اذا جلست وحدي في غرفة ، تذكرتك كم كنت من وحشة
الوحدة تخافين. أمي... اريد ان اقول لك اليوم، بجد، بجد على قولة المصريين انتِ اجمل من كل النساء اللواتي كنتِ تعددي اسمائهن حين كنتِ تحسبين
الجميلات اللواتي عرفتيهن في حياتك. أمي صرت مثلك اعد ، واحسب مثلما كنت تحسبين. كنت
تعدين ربما لتمرين ذاكرتك التي كنتِ دائما تخافين تعطلها. فلانة معها ثلاثة اخوة
فلان، فلان و فلان. رقم القناة الفلانية هو كذا و كذا و كذا. مثلك اتعلق بزجاج
النافذة و احسب مر اربعة رجال و ثمان نساء و طفلين. كنتِ تسلين نفسك بالعد... ترى هل يوجد في قبرك
ما تعدين؟
أمي...لولا هذا الشاهد لقلت
بان وجودك كان "كذبة" ، و انا من اين جئت؟ بلى لستِ كذبة لكني انا اكذب
على نفسي عندما افتش عنك وانتظرك و اناديك و ازعق... و كل مرة لا تجيئين.
أمي... نادرا ما قلت لك انني احبك كثيرا و انني اشتاق اليك و يوجعني
شوقي و يجعلني ائن هذا الحنين. أمي... انا احبك. كلي ثقة ، مثل ثقتي انني ابنتك و
انك أمي انني سألتقيكِ ، ذات يوم ، ذات شهر ، ذات سنة من السنين.
مقالات