من عاش في اليمن هذا العام 2018، و هذا الشهر ، يناير، تحديدا يعلم
جيدا ان الشتاء في اليمن قد طال على غير عادة . عانينا نهاية العام الماضي من اشد
هجمات الشتاء الذي امتد حتى يناير و فيما يبدو سيتطاول على فبراير ايضا. نرتدي
الكثير من الملابس الصوفية و نتدفأ بأكثر من غطاء لكن هذا البرد الغريب كأنه
احتلنا من الداخل ، لا يأبه بأي مقاومة. كنا نرتعش بردا في بلد لا كهرباء فيها سوى
تلك من الطاقة الشمسية و هي ضعيفة لا تتحمل أي نوع من انواع اجهزة التدفئة. اما اذا
كنا من سعيدي الحظ و اشتركنا بكهرباء تجارية فإن تكلفة تشغيل تدفئة يرفع سعر الفاتورة بشكل غير محتمل لذا نحاول عقد صداقة مع
البرد و نقلم اظافره.
مرضت انا ، حمى و وجع في العظام وزكام. كل الناس تمرض. انا كان مضاف
لدي في مرضي شعور عظيم بالحزن ، رغبة دائمة في البكاء. حيث كنت اثناء هجمة الحمى
اتخيل الطائرة تقصفني من سقف غرفتي. كنت ارى المتسولين يلاحقونني. الاطفال الحفاة
يبكون عند باب غرفتي يريدون ان اطعمهم. كان التنفس عندي يتعذر حال اتذكر كم زاد
عدد الطامحين بالهروب من اليمن. كم انسان يحلم بالهجرة، كم يتمنى اللجوء. السفر بأي شكل من الأشكال. مال اليمن اصبح
عناقها نار؟ هلوسة حمى! عندما تحسنت حالتي
الصحية اقترحوا علي ان يخرجوني لفه بالسيارة لأرى الشوارع والناس و المحال
التجارية. وافقت بابتسامة كلها امتنان و شكر.
طلبت منهم اخذي للسبعين تحديدا. في الطريق رأيت ناس ،زحام ، سيارات،
محال تجارية، حياة مفعمة بالحياة برغم وزر الحرب الثقيل. اول ما فجعني في خط
السبعين كان منظر حطام المنصة هناك. لماذا لا يرفعوا الانقاض؟ لماذا – و هو الاروع
– لا يعيدوا بناءها؟ انها لن تكلف كثير.. صفوف مقاعد من الطوب و سقف حديد. قالت
قريبتي :-"يريدون تركها كما هي ، كشاهد عيان." امتعضت من التفكير. تفكير فعلا سخيف. لماذا؟ هل اذا رمموها سننسى؟ لا والله ، لن
ننسى و لن تنسى اجيال ستأتي بعد عشرات السنين. لكن بقاءها هكذا يحطم المعنويات..
وخاصة لدى شخص مثلي يتعافى من ضربة برد شنيعة و يحاول الاستجمام و اخذ فترة نقاهة.
رفعت نظري الى الشارع. اللافتات مالها هكذا تعرض و تطول؟ لا تعاني من الانيميا و
الفقر الذي يعاني منه ابناءنا. صور شهداء في كل جهة. شهداء جدد غير الذين كانوا
معلقة صورهم قبل مرضي. تخيلتهم جميعا ينقضون على عنقي، يحاسبونني لماذا استجم و
لماذا اخذ بعد مرضي فترة نقاهة و هم قد صاروا تراب. شهقت شهقة حادة محاولة ان اتنفس.
قرأت اللافتات المكتوبة. شهقت اكثر. رأيت اشياء كثيرة ، شهقت شهقة بعد شهقة. ثم
طلبت ممن في السيارة ان يعيدوني الى بيتي. هذا عقاب و ليس استجمام و لا فترة
نقاهة. ما اراه في صنعاء اليوم يجعلني اشهق شهقات غريبة ، تشبه النهيق لذا لا يصح
في الوقت الحالي في اليمن الاستجمام و فترة النقاهة تتحول الى فترة نهاقة. ردوني
بيتي افضل!