حوض سمك و كرفان !

قبل ان ابدأ قصتي ، اريد ان اسأل ، تعرفون حوض السمك طبعا ، لكن هل تعرفون ما هو الكرفان؟  لأن الغالبية  ستسأل :-" هل هو نوع من البردقالِ؟" الكرفان بيت متنقل يقوده السائق الى حيث يشاء. داخله غرف ، حمام، مطبخ، تلفزيون و ثلاجة. هو بيت متنقل .

بسبب هذه الحرب اللعينة ، انقسم الناس في اليمن الى قسمين.

 قسم بقي داخل اليمن ، او نزح  ثم عاد ليبقى داخل اليمن ُمحاصرا ، يسمع و يخاف من القصف ، يستهدف حكامه تجويعه  و ُيهان. لكنه ينام ليلا و لو كانت الصواريخ تذرع السماء التي تعلو بيته لأنه مطمئن الى مكانه. هو في بيته ، في وطنه وان سقط الصاروخ على مكانه و مات ، ُدفن في تراب وطنه. القسم الأخر قسم نزح . اشترى كرفان ، علق على جدران الكرفان مصون ، جنبية، حنط عود قات يابس ، مقلى حلبة، احتفظ بماء مبخر و بشوية تراب في كيس. يتشردون اصحاب الكرفان من بلد لأخر. تمدهم الحكومات مثل السجاد في مطارات البلدان التي يقصدونها، تلطمهم مستشفيات، تقل قيمتهم مدارس، يرفع صوته عليهم صاحب عقار. و احيانا يتشاجر معهم صاحب خضار. يتقوقعون ليلا ، يرتعشون من فيروس اسمه وِحشة الغريب . لكنهم بالمقابل لا يخافون قصف. لا يخنقهم احد بحصار.

على صدر كل يمني حرفين يرمزان لهويته. ياء ميم معناها يمني محاصر . ياء نون يمني نازح. كلنا في سجن كبير و على صدورنا ارقام مساجين. هذا هو تحصيل المتحاربين ! زجوا بنا جميعا في نفق هذا السجن اللعين! لم نجد من يُخرجنا منه ، ولا من اين السبيل؟ المتقاتلين على السلطة و النفوذ عقب ثلاث سنوات في مدرسة الحرب. تحصيلكم صفر وظلم يا جماعة . لا ِسلم وطن و لا ِسلم انسان. لكن تحصيلكم المادي كبير، انا لا علم لي كم لكن هو تحصيل يسيل له اللعاب و هذا هو السبب الذي تجمعت من اجله – في الداخل والخارج -  كل هذه الكلاب.

اما انا.... فسمكة داخل حوض الأسماك هذا. انا من قسم ياء ميم. يأكل أهلي كلهم  و انا فتافيت الفتات. داخل هذا الحوض ارى السمك يسبح حولي ، اكاد ارى هياكلها العظمية من الهزال و الجوع.  حول حوضنا الزجاجي قطط عدة. نموت رعبا منها. اعمارنا عزيزة علينا مثلما اعمار الناس في الدول العظمى عزيزة عليهم بالضبط. نتجمع متلاصقين في زاوية الحوض خوفا من ان ُيشرخ الحوض من مخلب قط فنسيل مع الماء و تفترسنا القطط. لكن اذا راحت القطط ، دغدغتنا الأماني ، نسبح ، نلعب ، نضحك وندندن مع الأغاني.  نصعد بخياشيمنا للسطح لكي نشحذ او نستنشق اوكسجين. نحن سمك يتسول اوكسجين ، لا نقود. اوكسجين أمان يعيننا على البقاء وسط جنون السياسة هذا او بصراحة هو بغاء! احيانا ُيلقي قط لغم صغير داخل حوض السمك. ينفجر طبعا فيتطاير السمك الى الأعلى قطع و اشلاء.  تلتقطنا القطط بأفواهها المفتوحة الى الأعلى . رأيت القط يمضغ اشلاء صديقتي . ليلا بكيت عليها في زاوية الحوض. لا اريد ان اذكر اسمها لأنني سأبكي لكن صدقوني بعض الكتابة بكاء.  اوشوش روحها كل ليلة انتِ في راحة يا صديقتي، يعني عاجباكِ عيشتنا؟ القطط لا تشتهي افتراسنا شهوة لأنها جائعة، فهي متخمة ، نرى بأعيننا كروشها متدلية. لكنها تشتهي افتراسنا لأننا صرنا بكل بساطة " لقمة سائغة مغرية بعدما بهدلونا  ُحكامنا بامتياز مع مرتبة الخسة. بهدلونا بحرفية و مهارة ُيحسدون عليها. كثيرا ما نقف دقيقة تعجب كيف استطاعوا ان يبهدلونا بهذا الشكل الشامل الكامل. ما شاء الله عليهم.

كارثتنا نحن الياء ميم لم تكن في القطط فحسب. بل كان لدينا داخل الحوض سمكة اكبر حجما منا و لها اسنان. لعلها اخر فصيلة سمك القرش.  تلك السمكة لها ألاف الاسنان. تأكل كل الفتات و لا ُتبقي لنا شيئا نسد به رمقنا. جوعتنا بالجملة ، افقرتنا فردا فردا. الأدهى انها كانت اثناء اكلها قد تعض ذيل احدنا او تقضم قطعة من جسم احد صغارنا. تكرر على مسامعنا انها يجب ان تبقى في حالة شبع ، حتى اذا ما في احد الأيام استطاعت القطط شرخ الحوض تقوم هي بأسنانها بالدفاع عنا . تأكد لنا انها لسوف تعض القطط بأسنانها. كنا ندرك ان الكلام كله كذبة. كيف اذا تشرخ الحوض تنقذنا؟ كيف بأسنانها التي تخيفنا بها ستحمينا ؟ اذا تشرخ الحوض احنا ميتين ميتين. لا يوجد سمك يعيش خارج الماء! كانت تلك السمكة المتقرششة تشكل خطرا علينا اكثر من القطط. فالقطط أكلت بعضنا اما السمكة المتقرششة فجوعتنا كلنا ، و لما سقطنا جثثا هامدة اقتاتت على اشلائنا. حياتنا داخل الحوض حبس كبير. لسنا فقط اسرى ، بل المحبوسة هي بطوننا ، محبوسة كرامتنا ، محبوسة انفاسنا ، محبوس املنا ، محبوس حلمنا ، محبوس مستقبلنا.

اما الياء نون فهم حتما الأوفر مالا وحظا. اشتروا بأموالهم كرفانات و تنقلوا بها من مكان لأخر. فئة منهم عاملة نفسها " وطنية" تقوم برحلات مكوكية ، تتفاوض على مواضيع وهمية ، يتنقلون بين اسطنبول والرياض، يستفيدون من الحرب و يربون في كرفانهم اسلحة للبيع ، الغام و قنابل. الفئة الثانية تتكرمش داخل كرفانها بانتظار وقف الحرب لتعود الى اليمن و لو سيرا على الأقدام. الفئة الثانية ضحايا مثلها مثلنا نحن الأسماك في الحوض. يعانون من هجمات الغربة و هم عُزل لكن كلمة سر سأفشيها الأن ان غربتهم كلا الفئتين عندنا نحن الياء ميم باتت "رفاهية".  صحيح انهم كالغجر الُرحل . ما ُيسمى بالانجليزية جبسيز ، و بالروسية سيقانسكا ، و بالفرنسية جيتان. لا عنوان واحد لهم. لا ثوابت لديهم. لا روتين في حياتهم. لا ارض يغرسوا فيها جذورهم. ليلا يتوسدون الغربة و يلتحفون الشتاء. لأن حضن اليمن بعيد عنهم. بعيد جدا. مساكين هم مساكين للغاية. لكنهم بالمقابل في مأمن من القصف ، لم تبهدلهم القسائم. لم تخنقهم لافتات الشوارع العملاقة المستفزة. لم يتجرعوا مرارة القمع. يتابعون اخبارنا نحن الياء ميم عبر شاشة التلفاز. يشاهدوننا حين نُقصف. يتابعوننا حين تلعب بنا القطط. يحللون تحركات سمكة القرش، يتكهنون. يرحموننا. يدعون الله من اجلنا. لكنهم يتفرجون علينا لأننا فعلا اصبحنا فُرجة جديرة بالمتابعة. اما هم فيبقون في كرفانهم ، يسوقونه ، يتوقفون حيث يريدون، يتقدمون ، يرجعون الى الخلف، يلفون يمين ، شمال ، يتنزهون، يرتادون المحال التجارية. يرتدون الملابس الجميلة. يذهبون الى المطاعم ، يأكلون اللذيذ. يتسلون ، يرفهون عن انفسهم. لكنهم في الليل يبيتون داخل الكرفان ونبات نحن في زاوية حوض الأسماك.

تعالوا نتكاشف وجها لوجه. الا نستحق ما نحن فيه. السنا من خلق الله العقاب من اجلهم؟  اما كنا نهتف و من اجل ابخس الأثمان لمن دفنوا حقوقنا؟ من نهبوا ثروات بلادنا التي كان المفروض بها ان يخدمونا. اما صفقنا لعصابة لصوص. الا نستحق ما نحن فيه؟ اما الياء نون الم ينظروا لليمن نظرة ارستقراطي لحظيرة؟ جمع الماشية مع الذئاب. اطعم الماشية اعشاب و من ثم ذبحها و اطعم لحم الماشية للذئاب. ثم اجتز اسنان الذئاب ورمى الذئاب تنهشها الكلاب ، فقد اخذ اسنانها و لحمها فوق حافة منشار بلحام. فكان هو من يستفيد في الطلوع و النزول.  يا ياء نون الا تستحون؟ ليس كل الياء نون لصوص و قتلة بطبيعة الحال . لكن غالبيتهم الا من رحم ربي. تأملوا معي وضع اليمنيين اليوم. لنتكاشف وجها لوجه. هل صدقتم كذبة الياء ميم وحوض السمك و كذبة الياء نون و الكرفان. ههههه اذن اسمحوا لي ان هذا التشبيه لم يكن الا تشبيه انيق. اما في واقع الحال نحن جميعا في عيون حكامنا و ولاة امرنا "صـ راصـ يـ ر !!"نحن في الداخل يرزعنا العدوان بشبشب القصف و الصواريخ. و السمكة القرش ترشنا بمبيد التجويع. فنموت مقلوبين على ظهورنا. شكوانا لك يا شاهد ، ممن نلاقي الشقاء؟ من مين و الا مين و الا مين؟  اتحدى واحد ينكر كوننا جميعا صراصير. حتى ذاك الثري داخل اليمن ،فاحش الثراء ، الذي له في بيته خزنة نقود ،مطعم ، مسبح ، سوبر ماركت، مدرسة، غرفة تجميل... يتصرف كأنه في اليمن ملك او أمير . يؤسفني ان ابلغك انك صرصار من الصراصير تستطيع السمكة المتقرششة ان ترزعك بشبشب و تنقلب على ظهرك مثل أي صرصار من الصراصير.  اما الياء نون فمهما لفوا العالم ، مهما سكنوا قصور، مهما سمنوا وتوردت خدودهم ، مهما لبسوا الغالي و الحرير. لكن يظل الغريب صرصار من الصراصير. ُعرضة لمواطن يقول له يا لاجئ ، يا هارب من بلادك،  اخفض صوتك ،ارجع خلف، اسكت ، اخرج ، تأدب... يا غريب كن اديب. يتأفف منك قائلا ،من اين حلت علينا كل هذه الغرابيب ، استغفر الله بس ، الله يخلصنا من هذه المصائب. اللهم استجب يا مجيب. هكذا يعاملونك يا ياء نون. 

صراصير كلنا بسم الله ما شاء الله علينا صراصير. و بسبب من؟ بسبب مؤامرة شمرنا لها الأكمام لكي تنجح سريعا ...

و الأن اترككم في أمان الله....القطط راحت ، اطلع اتنفس شوية اوكسجين.