افئدتهم هواء



تزوجها عقب حفل زفاف كبير في مدينتها الساحلية ، في صباح اليوم التالي كانت تبكي و هي تودع والدتها واخواتها و اخوانها ، خالاتها، خالها، عماتها و اعمامها. بكت على كتف امها حتى بللته. فعريسها سيرجعها مع قريباته اللواتي جئن لحضور الزفاف و سيعود الجميع الى مدينة العريس و هي صنعاء العاصمة. وصلت صنعاء لا تعرف احدا فيها سوى زوجها. بدأت بعدها بالتعرف الى اهل زوجها ، جيران اهل زوجها واتسعت دائرة معارفها و ضمت فتيات من مدينتها الساحلية. غير انها كانت تشعر بغربة لم تبرحها برغم مرور السنوات في صنعاء العاصمة. مدينتها و مسقط رأسها بحر، شاطئ، رمل على الساحل و مدينة زوجها جبال صخرية صفراء و قسوة في التعامل. لا شيء جميل لديهم سوى " الطقس".

مرت السنة الأولى وانجبت بعدها الابن الأول. ما ان مر شهر من عمر الوليد حتى اخذته و طارت الى أمها تمتعها بحمل حفيدها الجميل. كان زوجها يتصل بها يوميا معبرا عن حبه و اشتياقه اليها و الى المولود. انها تحب زوجها لكنها لم ترتح لأهل مدينته. كذلك لم ترتاح لصنعاء نفسها. كأنما في الحديدة بلابل تغني و في صنعاء طيور عمياء و خرساء. لم تصارح احد بمشاعرها تلك. حملت المرة الثانية بطفل ثان جميل. ثم انجبت ابنتان جميلتان. كانت خلال ستة سنوات ام لأربعة .
اما زوجها فكان حاله حال كل رجال هذه المدينة الحجرية القاسية، يخرج عصر كل يوم ليخزن و يخزن و يخزن. مجتمع القات عندهم له اهمية الصلاة. يعود الى منزله مساء ليجدها شعثاء ، مبحوح صوتها من طيلة  ما لاحقت الصغار ، صرخت عليهم، ساعدت الولدين في واجباتهم ، اطعمتهم العشاء ، ابدلت ثيابهم الى ثياب النوم ثم اخذتهم للنوم. ما ان ترى زوجها امامها حتى تعدو كالقطة الخائفة الى غرفتها فتبدل ثيابها بثوب نوم وردي رقيق و تمشط شعرها، تضع لمسة خفيفة من الوردي على خديها و شفتيها. تجلس اليه ، و هو منهمك في موبايله فتتنهد ثم تعاتبه قائلة:-" انا اجلس معك ، اترك عنك موبايلك و حدثني قليلا." يجيبها و عينيه لم تفارقا شاشة الموبايل:- " ماذا عسانا نتحدث؟ ستشتكين لي ان واجبات ابننا كثيرة، و ان ابننا الثاني يضرب اخواته، و ان ابنتنا لا تأكل ، و المهم كل كلامك شكوى! رجاء خلي لي حالي اليوم بالذات ، ضرسي يؤلمني لدرجة ان مكانه ينبض." اجابت بصوت خفيض:-" سلامتك .انا احكي لك عن اولادك ، هل هذا ممنوع؟ انت لا تفعل شيئا لهم سوى النفقة ،لكن التعب و الاجهاد و المشقة كلها لي وحدي! و تستكثر ان اكدرك اذا فضفضت لك عن يومي و كيف قضيته؟" اجابها :-" كل الاباء لا يشاركون في تربية الصغار. كانت أمي لا تنتظر عودة أبي الا لتظهر أمامه في أجمل حلة و لا يشم منها الا اطيب ريح و ليس لكي تلقي عليه نشرة النكد! تذكري فقط كيف كان شكلك حين وصلت." دافعت عن نفسها وقد بدأ الغضب يلامس اعصابها:- " انا ابدلت ثيابي و تعطرت. نحن لسنا في مدرسة لابد من لبس الزي امامك قبل وصولك. شمني حتى! اطيب ريح!!! انا في طاحونة مع الأولاد وانت تطالبني بالظهور امامك في اجمل حلة و ان استعد قبيل وصولك، من اين لي ان اعرف مسبقا متى تصل بالضبط؟" اقتربت منه ليشتم رائحة ثوبها غير انه دفعها عنه برفق قائلا:-" خلاص بس! قومي هاتي لي مسكن لضرسي. قد عيجننني." اجابت:-" سلامتك حبيبي، انه في الجهة التي تخزن بها. لعل ضرسك تعب." علق باستخفاف :-" تعب؟ يسعم انه آدمي! قومي ادي لي مسكن بحجر الله من فلسفة آخر الليل!" قامت فورا و عادت اليه بالمسكن و رحلت عنه الى سريرها لتنام.  قام من نومه صباحا و خده متورم ، غير ان ذلك لم ينقص من وسامة ورجولة ملامحه. ابلغها ان " تفتهن" لأنه لم يخزن اليوم بل سيذهب الى طبيب الأسنان بما انه لم ينم طوال الليل من وجع ضرسه. كان زوجها يذهب كل عصر الى الطبيب و استمر ذلك لأسبوع ، استخدم في بدئها مضاد حيوي ثم عالجه الطبيب و تلاشي وجع ضرسه. ثاني يوم عقب ذلك الأسبوع عاد يخزن بلا هوادة. كأنما القات قراءه قرآن ،  كأنما هو وسام شرف او قلادة!
في عصر احد الأيام بعد خروج زوجها للقات ، اكتشفت ان ابنتها الصغيرة قد افرغت محتوى عبوة كريم نيفيا في شعرها. اخذتها و وهي تتمتم "يا الله عينني و عاوني" دخلت معها الحمام. عبأت قليلا من الماء في البانيو لكي تتسلى الصغيرة. رأت فجأة موبايل زوجها في زاوية البانيو بجانب الصابونة. ادركت انه نساه. لا يوجد طريقه لإبلاغه كون الموبايل هنا فإلى أين تتصل به؟ اخذت الموبايل خشية ان يصله بلل من ضرب الصغيرة على سطح الماء و ضحكها و لعبها بالكرة. في تلك اللحظة وصلت صورة من " محمد المقوت" و بدأت تتحمل تلقائيا فرأت فتاة في غاية الجمال. لفت نظرها ان الصورة فاضحة لأنها فتحة ثوب البنت ُتظهر الخط ،مكان التقاء النهدين في صدرها. لم تستوعب ! هل محمد المقوت يعمل في تجارة البغايا و يرسل لزوجها ليختار؟ شعرت ان قلبها يكاد يتعثر من سرعة الركض خوفا من هكذا فرضية! وصلت محادثة عقب الصورة عبر الوتساب ، كتب فيها محمد المقوت:-" اعجبك لون شعري و الا اغيره بني فاتح؟ " و غمزة!!! هذا ليس محمد المقوت ، هذا بنت! فتحت محادثات زوجها و محمد المقوت السابقة لتفاجئ بسيل من الصور ، و عشرات من كلمات الغزل. احداهن كانت ( ماهو هذا الجمال يا مزة ، صدق لا قال المصارية ُمزة فأنتي مزة المزز." و اجابته محمد المقوت ( ههههههه) و رسمة لشفتين حمراوين!!!هنا احست انها لم تعد قادرة على الوقوف. لم يكن في الحمام كرسي. فأنزلت غطاء الكبينية و جلست عليها شاعرة بدوار و دوخة. رأت صغيرتها تفتح الشامبو و تسكبه في الماء و تضرب الشامبو فتتصاعد الرغوة و تتصاعد ضحكاتها البريئة. اما هي فكما يبدو كانت قد تبلدت لأنها حتى لم تسارع بأخذ الشامبومن الصغيرة. لم تنطق ، لم تتحرك ، بل لم تبكي حتى. لكن فيما يبدو سالت دموعها من تلقاء نفسها كتصرف غريزي عند الشعور بالجرح. زوجها يخونها! يا للصدمة! قامت لتصفي صغيرتها من الصابون واخرجتها فألبستها و تركتها لدى اخويها قائلة:-" يالله يا حبايبي. اعملوا واجباتكم و انتهبوا على اخواتكم." دخلت هيمسرعة الى غرفتها. كالأفلام الصقت جبينها و انفها على الحائط و بكت حتى جلست القرفصاء ارضا. بكت دموع لو لمسها احد لوصفها انها دموع بقت داخل قربة ظلت مرمية في صحراء لألف عام! جلست تقرأ كلام كثير ، قرأت احدى الرسائل ( يا قمري صنعاء مالك ، من غثاك ريح بالك.) اذن البنت من صنعاء! يا للمفارقة !! زوجها يغني لها اغنية الآنسي اما هي فإنه حتى لا يسمع نشرة نكدها  كما وصفها! بدأت الزوجة تستجمع تركيزها فأدركت بأنه حتما عائد لأخذ موبايله فسارعت بتسجيل رقم البنت ، وتصوير ثلاثة صور و اربع محادثات فاحشة ثم ركضت لتضع الموبايل بجانب الصابونة كما كان. عشرة دقائق و عاد زوجها. بدا جزعا و غاضبا و صاح :-" هذا البيت قدو يعمي.  دوشة الجهال شي لا يطاق." نسيت موبايلي في البيت و انا منتظر مكالمات مهمة." تبعته الى الحمام و هي تقول بصوت تمثيلي :-" يوو، صدق؟انا حممت البنت و لا شفته." اخذ الموبايل و دسه في جيبه قائلا بصلابة الخونة:- " ليش انتي عادنتي بتشوفي احد الا جهالش؟! يالله خاطرش." لم يلتفت اليها و لا لاحظ احمرار انفها. اجابته في نفسها " اشوف جهالي و لا شوف محارم الناس."  
عند خروجه عصر اليوم التالي اخذت الموبايل و اتصلت برقم البنت التي اجابت بصوت رقيق :-" عيادة الدكتور ------ لطب الأسنان. موعد؟" اذن هي سكرتيرة طبيب الأسنان التي كان زوجها مداوما لديه طوال اسبوع. تلافت شرودها قائلة:-" ايوة لوتكرمتي اشتي موعد." اجابتها البنت :" غدا الاثنين الساعة الخامسة و انتي عندنا. باسم من اسجل الموعد." اجابت :-" باسم ام فلان ابن فلان الفلان." تخيلت كم وقع الصدمة عليها و تأسفت لأنها ليست أمامها.
يوم الاثنين طلبت من اخت زوجها ان تأتي للبقاء مع الأولاد لكي تذهب هي الى الطبيب. وصلت العيادة لتجد فتاة رائعة الطول ترتدي عباءه فضفاضة، نقاب و قفازين. قالت لنفسها الله على تقوى الله و الورع ، و تحت العباءة و النقاب فضائح  بدع! كانت البنت تسترق النظر اليها. ثم قامت هي الى البنت قائلة لها بصوت قوي:-" اشتي اكلمك على انفراد. قومي!" دخلن الى غرفة انتظار النساء حيث كانت فارغة. عرضت الصور عليها فقالت البنت بصلابة و قحة الخونة :-" احترمي نفسك يا اخت. هذه مش صوري." اتصلت الزوجة برقمها فرن الموبايل المتروك على طاولتها في صالة الاستقبال قائلة:- " الصور من هذا الرقم." ثم اضافت :-" شوفي ! اتركي لزوجي حاله يا خرابة البيوت و الا خرجت للمرضى المنتظرين دورهم افضحك امامهم كلهم ، و لأدخل للطبيب و اقطع رزقك يا سافلة!" سارعت البنت خوفا من الفضيحة و قطع الأرزاق :-" خلاص خلاص حاضر و لا زيد اراسله. الأااان امسح رقمه."  غادرت العيادة و مساء حين عاد زوجها عرضت عليه الصور فقال لها دون حتى ان يكترث:-" ما دخلني ؟ هي اخذت رقمي من بينات تسجيل موعد عند الدكتور حق الأسنان. بدأت ترسلي صور. كنت اتفرج." اجابته زوجته :-" و ليش جاريتها. و تغزلت بها؟ بدل ما تأدبها." ضحك ضحكة مجلجلة:- " ما دخلني أدبها اذا كانوا اهلها ما أدبوهاش؟ انا مشنا امام جامع و حتى الإمام عيتفرج. يكن في معلومش ان الرجل نحلة وين ما لقي عسل عيطير اليه ما بالك و العسل قد جاء لقباله. بعدا لا وراش خيانات الرجال. بتوصل للفراش يا مرأة كوني إعقلي! مانا مسكين ارحم. بين اتفرج صور و يالله."
صمتت ...جريحة اكثر مما تستطيع الكلمات ان تصفه . الرجل اذن ليس رجل و انما نحلة و سيطير اينما وجد العسل !!! هكذا بكل بساطة برر لها خطيئته. على فكرة ، الرجال افئدتهم هواء... و المسكينة التي تثق في اخلاص و لو واحد منهم انما هي غبية في قمة الغباء!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال