كثير من النساء اليمنيات اللواتي تزيد اعمارهن عن ما فوق الأربعين عاما لم يتخرجن من جامعة ،
و ربما و لا حتى ثانوية عامة. هذا شيء معروف ، انا لا اقول الكل و لكنهن نسبة لا
بأس بها . كثير منهن لديهن فيس بوك و يستخدمن الوتساب. اخطاءهن الاملائية و لن
اقول المطبعية لا ُتعد و لا ُتحصى . مثلا هذه التي سأحكي عنها في الجزء الثاني هذا. كانت ، ترسل لي في الوتساب " غدن ساءنلاتقي
فالكوفوشب الساعاء الخامصه، لاء تتئاءخري" لا بأس ، الاخت هذه لم يرسلها اهلها
للمدرسة و سارعوا بتزويجها و زوجها اكتفى بها زوجة مخلصة ،خدومة و ام و
طباخة، مثلها كثيرات .بارك الله في جميع نساء اليمن و ادام بيوت اليمن عامرة بهن. ليس من العدل و
الانصاف محاكمة الضحايا. لكن يجب على " الضحايا" ان يدركن و ادراك تام
حجمهن و مقدراتهن لكي لا يضحكن الأخرين عليهن. انا هنا " اشفق" و لا
" استهزئ" و العياذ بالله.
كانت بطلة هذا الجزء كلما التقينا تشتكي من
الملل الذي لا ُيحتمل في مصر و انها تكاد تجن. فالمرأة كانت مرفهة و زوجها من
الاثرياء ، معتادة في اليمن على مجالس القات برفقة مجموعة من صديقاتها و كانت
حياتها محصورة بهن. فنشفق عليها نحن
النازحات في القاهرة ،كونها تشتاق لوالدها و اخواتها و ابناء اخوتها الصغار.
التقينا مرة في شقة احدانا و جاءت و
عينيها منتفختين ، لم نسألها عن سبب انتفاخ عينيها من بديهية انها قد بكت حتى ساعات الصباح الأولى. اثناء
جلوسنا تكلمت انه حدث انفجار في شارع موازي لشارع منزل والدها في صنعاء و ان اهلها
خافوا كثيرا و ان والدها لم يستطع التحرك في تلك اللحظات العصيبة، و الرجل مسن .
كذلك وصفت لنا انها لا تنام الليل و تخشى ان يصيب والدها مكروه وهي لم تودعه. دعت
لليمن طويلا و لأسرتها و والدها ونحن نستمع اليها و نحن من التأثر و التعاطف في
غايته ونشاركها الدعاء وقول " آميييييييين" من قلوب حرى بالهيام و العشق
المشتعل وجدا لمحبوبتنا الغالية اليمن. فجأة تستشعر المرأة انها كانت مثار شفقة من
حولها و هي لا تحب ان تكون كذلك. لأن " المسكين" و " المسكين"
فقط هو من يكون محط شفقة و رحمة. اما هي فاعتادت ان تكون محط انظار ،محط اعجاب ،
محط حسد لا شفقة! فتعتمل داخلها " الحمية" لمسح أي شفقة عن شخصها و لو
كلف الأمر ما كلف!! لست ادري لماذا احست بذلك وكلنا كنا في مجملنا "
مسكينااااات" للغاية، كما ان المصاب
واحد ، و القلب واحد ، و الوجع واحد. بدأت تتكلم ان النازحين لم يهربوا من اليمن
لكي يظلوا يتشاكوا و يتباكوا و يعيشوا في دموع و خوف و قلق و الا كان افضل لهم لو انهم بقوا في
اليمن و "هجعوا نفوسهم الصرفة". و ان المرء عندما ينزح فانه يفعل من اجل
ان يتجنب خوف الحرب ، قلق القصف ، توجس الانفجارات ، نقص السلع الغذائية، انعدام الأمن. لذلك فإنها يجب ان
تستغل فرصة النزوح هذه لكي تلتحق بمعهد لتعلم اللغة الالمانية !! حدقنا في وجهها
مليا ، لماذا الالمانية ؟ قالت لأنها لغة ستتفوق على الانجليزية قريبا طيب و الله ان
العربية اولى ! و هي تريد ان تواكب لغة العصر. حكت لنا عن معهد تابع للجامعة
الألمانية و انه غالي ناااااار ، لكنها مصممة على الالتحاق به. قد ساندها زوجها
بتزوير شهادة جامعية كلفتهم ايضا مبلغ و قدرة لأن المعهد يشترط لمن هم في عمرها
اثبات التخرج من الجامعة. بيني و بين نفسي ، لم استحسن الفكرة تماما. او لنقل انها
فكرة باهرة لكن ليس لها. الاولى لمن في ظروفها ان تلتحق بمعهد يأسس الكتابة بلغتنا
الأم " العربية". عادي ، لا شيء مخجل في الأمر. جميعنا نرتكب اخطاء
املائية ، انا مثلا و ها انا لدي ثلاثة كتب مطبوعة ، اخذ قصصي بعد طباعتهن في
اللاب توب لمصحح لغوي يتولى اصلاح الهمزات و التاء المربوطة و الضاد و الظاء. ليس
عيب ابدن قصدي ابداً. لكن العيب هو ما فعلته هذه السيدة لاحقا. اخبرتنا ان الحصص
التي تحضرها صباحية من الساعة الثامنة صباحا ، و طلبت الا يتصل بها احد وقتها لأن
الرد على المكالمات الهاتفية ممنوع اثناء الفصل. خرجت انا صباح احد الايام الى
منطقة في التجمع الخامس في القاهرة اسمها داون تاون ، عبارة عن مجموعة كوفي شوبات
و مول تجاري و صيدلية و بنك. كنت اشتري بعض الأدوية حين رأيتها تخرج من المول
ممسكة بأكياس كثيرة. استغربت ؟! الا يفترض انها في الفصل الالماني الان؟ تحرك لدي
الفضول الذي نادرا ما يتحرك لأنه في تربيتي و نشأتي كالدب الذي دخل بيات شتوي و لم
يستيقظ حتى الأن. اتصلت بها مساء لأسألها كيف كانت حصة الالماني، فوصفتها بالحصة
المسلية جدا و المفيدة و حكت انها باتت تعرف كلمات كثيرة بالألمانية . حكت لي
صديقة انها وجدتها في السوبرماركت و قالت لها انها " مكتئبة" ذلك اليوم
و لم تحضر الحصة. بتعبير آخر هي
" تكذب"! حاولت ان اجلس مع نفسي لفك طلاسم شخصية هذه
المرأة ، لماذا تحمل نفسها وزر الكذب؟ هل من اجل المظاهر ، لتبدو المستفيدة من
نزوحها ؟ المفعلة لنزوحها تفعيل ناجح و مثمر؟ لكنها كانت في اليمن لا تفعل شيئا
البتة سوى الطبخ و تجلس فيما بعد مع صديقاتها لتخزن. يعني لم يكن في حياتها شيئا مثمرا اصلا. ام تراها تكذب لتبدو غير حزينة البتة على
حال اليمن و كأنما هي شابة في مرحلة بناء
المستقبل و لسوف تبدأ حياتها
بالألمانية بداية قوية و تفتح لنفسها افق
لوظيفة جيدة؟ علما بأنها غير مؤهلة لتكون
موظفة اصلا لأنها فيما اجزم لا تستطيع الالتزام ، فهي مدللة و ملولة و تفقد
اعصابها ببساطة. استمرت في كذبها ذاك ، بالرغم انني رأيتها مرتين صباحا ، مرة وهي
تأخذ تاكسي و المرة الثانية لقيتها في سوق الخضار فتلعثمت و قالت انها لم تذهب
اليوم لأن " مزاجها " مش ولابد. و وقفنا انا و هي نشتري بطيخ لدى بائع
فواكه شديد البدانة ، له كرش كبيرة و وجهه عصبي ، قالت له ان يفتح البطيخة قبل
شراءها. فعلا فتحها و طلعت بيضاء. اخبرته انها لن تشتريها لأنها ليست حمراء ، فقال
لها " طيب و البطيخة دي اللي حضرتك خليتيني افتحها مين حيشتريها يا باشا ؟
أمي؟؟؟!" أجابته بأن هذا ليس شأنها ، فماذا تفعل ببطيخة بيضاء لن يأكلها احد.
غضب الفكهاني كما يسميه المصريين وصاح فيها :-" طب خلاص ، ان شالله عنك ما اشتريتيها
، امش امشي ي ي ي ، مشش في ركبك".
نظرت الي بصدمة و نظرت اليها بذهول . طبطبت على كتفها مواسية " معلش ،
خلينا نروح ، طز فيه." وجدتها تبكي و تدعي على من كان السبب في ان يهينها "حتة"
فكهاني و يقول لها " امشي" أضفت انا باستنكار:- " سهل امشي ،
الوقاحة لما يقل و " مشش في ركبك" تقولي ايش معنى مشش." نظرت الي
ضاحكة. ضحكنا الاثنتين. حضنتني. فتساقط البرتقال و الكوسا الذي كنا قد اشتريناه.
التقطنا الخضار و الفواكه و تركنا الدموع تتساقط عوضا عنهن ونحن نتمتم سلام الله
على بائعي الفواكه و الخضروات في اليمن . اردت يومها ان اصارحها ان كذبتها عن تعلم
اللغة الالمانية قد تم كشفها جليا غير انني لم افعل ، تحرجت من احراجها. مرت ايام
و قررت هي ان تقول ان الترم انتهى مع ان الترم ليس بذاك القصر . صارحتنا انها قد
فقدت من وزنها الكثير بسبب اشتياقها لوالدها و خواتها. ثم اخبرتنا انها لمحت زوجها
يتفرج على التلفاز على برنامج اسمه " المتاهة " و ان زوجها كان يتفرج
بتوجه تام للمذيعة الجميلة وفاء الكيلاني . ثم صارحتنا انها قد قررت – بما انها قد
صارت نحيلة – ان تذهب لدكتور تجميل و يتصرف هو – قدي مهرتهم – المهم ان يجعلها
تشبه وفاء الكيلاني. زودتها صديقتنا هذه ، زودتها قوي !!
بعد حوالي اسبوع كانت هي محور كل احاديثنا الجانبية و عن جنونها و
جنون زوجها الذي سيسمح لها ان تخضع لعملية تجميل قد تنجح و قد تفشل فتتشوه مثلما
تشوهت اليسا و غيرها كثيرات ممن فشلت عمليات تجميلهن. ثم بصرف النظر عن احتمالية
نجاح العملية و امكانية فشلها ، من حيث المبدأ يعني ،
عيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييب
الدنيا حرب
الناس بيقتصفوا
اطفال بيتيتموا
نساء بتترمل
شباب بيتعوقوا
بيوت بتتخرب
بلاد بتضيع
ابالسة بيتنططوا حول جثة اليمن
و احنا يا طاوووووووسة نشتي نكون شبة وفاء الكيلاني؟!!!!
سبحان مقسم العقول في الجماجم