اولاً: ما سأكتبه هذه المرة لا هي قصة و لا
هو مقال. انه، لا أدري ما هو في واقع الأمر. لنقل انه فضفضة ، او خواطر بدون
تصنيف. اريد هنا ان اسجل ملاحظتي على ظاهرة لفتت نظري منذ حوالي 5-6 سنوات. زمن كتابة هذه الخواطر هو عام 2019. ظاهرة
تشيع وتنتشر بشكل مقلق. ما هي الظاهرة؟ الأن اقول لكم. الظاهرة خاصة "
بالبنات" من سن المراهقة الى ما قبل العشرينات.
في حياتي انا محاطة ببنات كثيرات. حولي
الكثير و الكثير جدا من الفتيات. سواء بنات عائلتي ،جيراني او معارفي او طالباتي حيث اعمل. في عملي – مثلا –
اتعرف على طالبات عندي ادرسهن مع زملائهن الشباب لمدة خمسة اسابيع ثم ينتهي الترم
و يبدأ ترم جديد فيكون لدي طلاب جدد وهكذا دواليك. بعض الفتيات سبحان الله يدخلن القلب بلا استئذان
فنتجاذب انا و هن اطراف الحديث اثناء البريك
او عندما يصدف ان نتقابل في ممر او في درج
اوفي حديقة المعهد او حتى في صالة أعراس ، نتحدث خارج نطاق الجرامر و السبلنج و
الانجليزي . لسبب اجهله و ان كان يستهويني تحب الفتيات سرد قصصهن علي ، و تفاصيل
في حياتهن اكاد اقول انها خاصة و شخصية جدا لدرجة انني استغرب ما الذي يجعل هذه
الطالبة تروي لي وانا – و ان كنت استاذتها – لكن بعد بضعة اسابيع اتركها فيدرسها
غيري و يكون لي طلاب سواها. لكنني اقر ان ثقة طالباتي بي و فضفضتهن لي هي من اسباب
حبي لمكان عملي . كذلك انا ممتنة لأنهن يطلعنني على اسرار قد لا تعرفها امهاتهن و
انا في سن امهاتهن. شعور رائع لا ُيقدر بثمن. سمعت قصص عائلية ، قصص عن رحلات ،
قصص طموح ، قصص خسارة ، قصص احزان ، قصص نجاح ، قصص زواج ، قصص حب ، قصص فشل.
باختصار سمعت " الحياة". بعض
قصصهن مذهل ، لا ُتصدق من فرط حزنها او بشاعتها. بعض القصص كوميدية لدرجة نزول
دموع ضاحكة. لكن ما سأكتب عنه اليوم هو القصص السخيفة في قمة قمة قمة السخف و
السماجة. لن اذكر بطبيعة الحال اسماء لأنني لا اتكلم عن تلك البنت ، او هذه بل انا احكي عن ظاهرة.
هذه الظاهرة هي سرعة و سهولة انقياد الفتاة
لكل ما يمليه عليها الشاب سواء قبل الخطبة الرسمية ( اي مرحلة مثلا اعجاب او حب)
او بعد الخطوبة الرسمية. انقيادها لطاعة كل ما يبلغها به الشاب من اوامر ونواهي و
تحذيرات و تنبيهات و احيانا تهديدات بغضبه او عدم رضاه. و سبحان الله تكون الفتاة
رائعة ومثالية المواصفات و هو ( برا وجوه فرشت لك ، و انت حالك مايل و ايه يعدلك؟)
و مع ذلك تجتهد البنت كيف تلتزم بالخطوط الضيقة جدا التي يأذن لها بها ، و تعمل
على تنحيف رقبتها لكي لا تختنق من قبضته لكنها لا تفكر مطلقا في ان تقول له "
لا تضيق علي الخناق!" تستسلم الفتاة
راضية ، خاضعة مبتسمة و لو الى حين. تلغي طواعية عقلها ، شخصيتها ، منطقها، آرائها
، ايمانها بمبادئها ، قراراتها، طموحها، كينونتها بل يصل المسح الى كرامتها
الغالية.. تمسح نفسها المسماة " ذاتها" بمساحة ، كنت اتمنى - يا طالبتي العزيزة - لوكنتِ تركتي
المساحة لغلطات الgrammar
و اخطاء الspelling
و ليس لمسحك انتِ . لماذا يا بنات لماذا؟ هل هو الحب ام
الرغبة في الزواج وتكوين اسرة؟ الزواج سنة و الحب شعور وارد ان نقابله اثناء مسيرتنا في هذه الحياة لكن اسمحن لي ان افجر الحقيقة المرة مرارة اليتم ،
ان الزواج بسبب الحب هو افشل الزيجات لأن الطرفين يصابون بالعمى و لا يستردوا
بصرهم الا بعد الزواج. معروفة المقولة القائلة " مرآية الحب عمياء." هذا
بسبب ان المحب يصاب – حرفيا – بالعمى. لا يرى. لا يبصر. لا ترى البنت عندما تكون
معمية بالحب لا خصال سيئة ، و لا عدم تكافؤ ، و لا غربة ، و لا عدم تفاهم . بل يصل
العمى الى درجة لا ُتصدق حين ترى خطيبها بدر سامر و هو لا يمت للوسامة بصلة. لا
اقصد هنا ان الوسيم لا يجوز ان تحبه فتاة ، لا طبعا ، بس الفتاة التي تحبه يجب ان
تدرك انها تحب شاب فيه الكثير من إسماعيل ياسين الممثل الكوميدي ايام الأبيض و
الأسود و الا تتكلم عن وسامته حتى تتخيل انها تصف براد بيت او كريم عبد العزيز
الممثل المصري الوسيم.
مثلا ، اكرر مثلا بنت محجبة حجاب اسلامي ملون ، الالوان مش عيب و لا حرام لا تصدقوا سواد العباءات السعودية ، و السواد في المظهر العام بطلوه انه لون كئيب و نحن لا تنقصنا الكآبة ، وجهها ظاهر بلا زينة فقط مكتحلة
العينين. محتشمة في ثيابها ، لا متشددة و لا متطرفة في دينها بل جميلة معتدلة.
جريئة في الحياة و في الفصل. طموحة ان تأخذ الماجستير بعد الجامعة. قوية ، تقول
آرائها بحرية. لا تخاف. تعامل الجميع بعفوية ، صدق و تلقائية و في ذات الوقت فارضة
احترامها على الجميع. فجأة تلاحظ ان شاب معجب بها. تلاحظ ذلك من نظراته ، او يكون
قد لمح لها او حتى صارحها اذا كان جريء. فورا و اتوماتيكيا تبادله العاطفة بدون أي
دراسة او تقصي. تتعلق به بسرعة ، لأنها اصلا لا تعرف سواه معجب بها و خصها بشرف
الاعجاب بها. وهو – يا جماعة – اعجب بها لأنها رائعة، جذابة الروح و مضيئة الابتسامة اما هي فهي تتعلق به و هو كما
اسلفت ( برا وجوا فرشت لك ، و انت حالك مايل و إيه يعدلك؟) بعد ان تهواه للأسف
يخطبها و يبدأ يلقنها درس قاس وهو كوني كما اشاء. تصاب هي بعدها بالعمى. فلا تتصدى لتدخلاته
. ارادتها يسلبها منها الحب.
رأيت فتاة ، وصفتها اعلاه ، بعد تخرجها من المعهد جاءت الى المعهد لزيارة صديقاتها السابقات ومرت لتسلم علي انا. كانت طالبة من اوائل الطلاب. نبيهة و سريعة و تفهمها و هي طايرة. اقتربت مني – و يا للغرابة - كتلة سواد متحركة، نقاب اعلاه شق يظهر خط رفيع من العينيين. تضع في يديها قفازين. كانت تمشي ببطيء و انكسار . و الله العظيم انكسار و حزن. طبعا كسر النفوس ليس مثل كسر الكؤوس . اقتربت مني لتسلم علي ، و هي من كانت سابقا تحتضني و هي تتقفز و تطرقع قبلات في الهواء و خدها على خدي. مصافحتها كانت قوية ، واثقة . سلمت علي هذه المرة بصمت و خمول ، بلا لهفة. قلت لها بعد السلام :- " عفوا من معي؟ سامحيني من بعد الحرب ذاكرتي ضعفت. انسى طالباتي قبل الحرب." اجابت :- "استاذة ، انا طالبتك فلانة. طالبتك الترم الماضي. مسرع نسيتيني؟" سعلت من شدة المفاجأة. ماذا جرى لها جعله مكسر؟ فيما يبدو تجلت الصدمة على ُمحياي لأنني سمعتها تقول :- " ييه ! ييه! استاذة؟ " عدت الى الواقع و انا حزينة، حزينة جدا. انا لم ادرس هذه الفتاة! لا بل : هذه الفتاة لا تعرف تلك الفتاة التي درستها في السابق! الماثلة أمامي شبح تلك البرعم الواعد. سألتها بتحسر :" ايش حصل لك؟ طمنيني؟" احتمالات التطرف ليست خاصة بالشباب فقط على فكرة. تمتمت : - " باركي لي يا استاذة. اتخطبت." قلت لها و ندمت على تسرعي في الرد لأنني جرحتها :- " مبروك الخطوبة. بس فين البنت اللي كانت طالبتي ؟ افتشك ؟" سمعتها تضحك باقتضاب و هي تتحسس بطنها و ذراعيها كأنما تشككت فعليا . لكنني لمحت بريق دمعة من شق النقاب. اجابت :- " طالبتك موجودة يا استاذة ، لكن انا انخطبت." يا لهوي ، ليش الذي تتخطب تدفع كل هذا الثمن "الباهض"؟ مثل طائر محلق حرا في السماء ، حين يخطبه خطيب يصبح هكذا جناحه مهيض ؟ ليش بس ليش؟ سألتها :- " و كل هذا السواد بطلب من خطيبك؟ يدك الذي كنتِ ترفعينها لتجاوبي ، ليش نقبتيها كمان؟ لا تزعلي مني ، بس انا جاء لي بكاء." تجاهلت كلامي قائلة :- " استاذة لحظة ، خطيبي هو .... هو اصلا... هو.... هو.... هو" ظلت تهوهو حتى خفت يقفز خطيبها من شق نقابها. سألتها بغضب :- " هو ايش؟" اجابت :- " اصلا خطيبي يا استاذة ، ياااااي يغار علي. قوي قوي يغار علي. جدا غيور." لم افهم من تكرار الغين في كلامها. سألتها :- " ايش حصل؟ من الغيور؟" لم تجب. للأسف ضايقتها و انا الصدق ضايقتني. الغيرة هي احد البلاوي التي يحدث فيها لبس ، و سوء فهم في الزواج. الغيرة مش ان الخطيب يسجن خطيبته او يحولها الى أسيرة. هذا في الوقت الذي كانت تنتظر فارس احلام على حصان ابيض يأخذها فوق حصانه و هي أميرة. قلت لها :- " غريبة. هو تعرف عليكِ اكيد و انت كنتِ لا تزالين سافرة الوجه. جريئة ، شاطرة طموحة. يعني احبك لكونك هكذا ؟ احبك كما انتي؟ اختارك بهذه المواصفات؟ فلماذا يطالبك الان بأن تكوني واحدة ثانية غيرك؟" اجابت :- " فعلا يا أستاذة ، طموحي حاليا و مؤخرا هو انه يكمل الجامعة ، و يأخذ الماجستير و يحصل وظيفة براتب ممتاز . طموحنا ان نهاجر. نحن شباب و سيضيع عمرنا هنا. لا مستقبل لليمن." اجبتها :- " تفلتوا اليمن لمن؟ يالله ، خلي اليمن ، لها ربها. خلي بالك انتي بس من نفسك. " لم اذكرها ان هذا الطموح بالماجستير والوظيفة المرموقة كان طموحها الشخصي. اضافت :- " ما بتصدقيش يا أستاذة كيف ياااااي يغار علي. حتى موبايلي طلب مني ابيعه، ثم باعه هو، اصلا يغار علي منه ومن مشاكسات الشباب . و اشتري لي بقيمته عقد فل. يغير علي من الهواء الطاير " ادركت عندئذ ان الماثلة أمامي خطبها نصاب!
ختمت كلامي معها لأن الجرس دق :-
الله يهنيك و يسعدك. انا بس حزنت على طالبتي هذيك الرائعة التحفة اين
جاء بها؟ لكن اكيد انت ادرى مني بما يسعدك. اجابت :- " هو شوية صعب بس
يااااااااي يغار علي موت. يحبني كثير." اجبتها بامتعاض :- " حبي الجهال
مني لما ترجعوا تدوهم." دق جرس البريك ، اسرعت الى فصلي. لم ارد ان اجرحها.
لكن الحب لا يعقد الحياة بل يجعلها اسهل. و الغيرة ليست زنزانة . افهمين يا بنات اليااااااي.