صديقتان تجمعهن صداقة قوية حميمة. "هي" زوجة لديها زوج و
أربعة أولاد. حياتهم مستورة وكثيرا ما يواجهون الحاجة. لكن كانت حياتهم الأسرية
رائعة و مستقرة . زوجها يحبها و يظللها بالتقدير ، الحنان و المشاركة. اما الصديقة
فأرملة منذ سنوات قليلة بدون اولاد في
اوائل الثلاثين مثل الزوجة. كان زوج هذه الأرملة قد ترك لها مبلغ من المال نصحتها
أسرتها ان تفتح به مشروعا بسيطا. فتحت كافتريا تقدم العصائر و الشاي و السندوتشات.
وفقها الله في الاشراف عليها فعاشت من ارباحها . اشترت السيارة و الشقة و وضعت
باقي الربح الشهري في البنك. كن الزوجة و الأرملة يقضين عصر كل يوم سوية، يخزنن
القات و يدخن الشيشة و يضحكن و ينكتن و يدندن مع الأغاني الصنعانية. يتكلمن عن
وصفات العناية بالشعر و البشرة.
الاثنتين جميلتين غير ان الأرملة كانت احلى. كانت
الزوجة تتمنى لصديقتها زوج يرعاها و يهنيها و يبعد عنها الرجال الذباب الذين
يحومون حولها طمعه في مالها او جمالها . الأرملة كثيرا ما اهدت صديقتها ثوب جميل و
اكسسوار رائع. كثيرا ما كانت تنصحها ان تنقص من غيرتها على زوجها لأنها ستخنقه
بحبها و غيرتها عليه فتجيبها الزوجة:-" احبه و اخاف عليه. انه سندي في الحياة
. فإذا لم اخف على سندي على من اخاف؟" تسمعها الأرملة و تتحسر بصمت على
وحدتها و ترملها و هي في عز شبابها و عيشتها بلا سند فتقول لها الزوجة بصدق:-
" امانة الف امانة، اذا احتجتي لرجل يتمم لك أي معاملة من تلك التي تستوجب
" رجل" ، او رجل ينجزلك مهمة ، أمانة اخبريني ولا تستحي. نحنخوات وزوجي
اخاك." كثيرا ما تناقشن نقاشات عميقة
جياشة في " ما هو الزوج؟" كانت الزوجة لأنها تعشق زوجها تسهب في بث
تعريفها " للزوج." فتطيل الوصف و التشبيه و الغزل قائلة:-" إنه – ان اصلحه الله – ليس شريكا في الحياة
فحسب بل هو الحياة كلها بكل تفاصيلها. انه الحبيب ، انه كل الرجال فوق الكرة
الأرضية. انه عبير الغرام الذي تشتمه المسام. انه خفقات القلب في الأوردة. انه
القريب و الحبيب و السند. انه الملك الذي لا يستبد. انه تسارع دقات القلب اذا سمعت
الإذن فتحته للباب. انه من تعتني به الزوجة حتى تشيب و بلا تعب! انه من رزقها الله
من صلبه الولد. انه السند. انه الصدر الذي تنام عليه ، اوسع ، ادفئ واحن وسادة.
انه ميناء ترسو فيه سفينتها المنهكة. انه الصوت الذي عندما تسمعه يوشوشها بكلمات
الحب و الغزل اغمضت عينيها لأنها تسمع قصيدة عهد باق الى الأبد. انه نصيبها من
العون ، انه عمودها الذي تميل بظهرها الُمجهد عليه. انها من تطيل شعرها من اجله و
هو َمن ِمن اجله تكتحل. انه السراج المنير في عتمة الليل. انه من اذا جلس الى
جانبها ، احست انها بجانب نافورة و سمعت خرير الماء. تقبل يده و اصابع يديه
فتتلاشى الصعاب . الزوج " إنسان" لا تعريف يوفيه قدره- اذا اصلحه
الله."
بعد فترة قصيرة ساعد الزوج صديقة زوجته في نقل الكافتريا الى منطقة
ارقى من السابقة و دعمها بالديكور و الألوان الحديث الأنيق. عرفها على طاهي ممتاز
لطبخ الفاصوليا و الفول و الكبدة. و وظف عاصر للعصائر الطازجة من فراولة، مانجو و
مشكل بالفمتو حيث كانت العصائر فقط ليمون و برتقال و جزر. طرح الله البركة كل يوم
اكثر من اليوم السابق خاصة بعد ان تخلص الزوج ممن كانوا يسرقونها من العمال فحققت
الكافتريا ارباحا خيالية دفعت الأرملة لتقديم مبلغ من الأرباح لصديقتها بحجة ان
الربح من حقهم ما دام تحقق بسبب الزوج. غير انهم رفضوا تقاضي أي قرش برغم عوزهم.
عندئذ قررت الأرملة تقديم راتب شهري للزوج الذي بات يداوم في الكافتريا يوميا و
ازاح عن كاهلها مشقة الإشراف. وافق الزوج على الراتب. في صباح احد الأيام جاءت
احدى جارات الزوجة لزيارتها ، نهرتها قائلة:- " اين انتي راقدة يا حمارة؟
الجماعة قدهم في حالة عشق." انقبض قلبها. واجهت زوجها فأجاب بكل بساطة
:-" هكذا يعمل الحساد الوشاة."
صارحت صديقتها فضحكت قائلة:-" زكاش عقلش!!لو قد عدموا الرجال ما افكر
بزوج اختي. الله المستعان كيف تصدقين كلام مضحك كهذا؟" صدقتهم الزوجة لكن
قلبها كان يتوجس شرا. عقب شهور تحسنت ظروف الزوج و زوجته المالية و قرر ان يبني
الدور الثاني لكي يتوسعوا هو وزوجته و ابنائهم. كان المبلغ الذي جمعه من راتبه غير
كاف لبناء و تشطيب الدور الثاني فقامت الزوجة و سلمته كل ذهبها الذي باعته بمليون
و مائتين الف و لم تترك سوى دبلتها الحبيبة. كانت الأسرة كلها تعد الأيام حتى يتم
تشطيب الدور ويتمتعوا بالضوء و الاتساع . كانت الزوجة قد اصبحت يقظة لأن "
مفيش دخان من غير نار." كما يقول المصريين ، لذا زارت الكافتريا بشكل اسبوعي
وراقبت تصرفات زوجها و غيابه خارج البيت فلم تجد ما يثير الشك في قلبها. انشغلت
بعدها انشغال تام بتشطيب الدور الثان. فأجئها في تلك الفترة ألم أسفل بطنها. ذهبت
للطبيب و اخبرها اخصائي الالترا ساوند او السونار ان لديها اكياس متضخمة في الرحم
و ان من الافضل المسارعة باستئصالهن خشية تحولهن الى اورام. اخذها زوجها و عملت
العملية. جاء زوجها ليزورها برفقة صديقتها و رأتهم يدخلون سوية الى غرفتها في
المستشفى و هي ممددة في سرير المرض فبكت امامهما ، و عندما واسوها تمتمت :- "
ما اضعف بني آدم." كتمت مخاوفها و هاجسها
و غادرا هم الغرفة سوية.
عقب عشرة ايام خرجت من المستشفى و وصلت بيتها. كان الدور الثاني مكتمل
الأثاث ، وسط ذهولها من اين جاء الأثاث و كيف توفرت تكاليفه، صارحها زوجها بانه قد
تزوج صديقتها و انها ستدعمهم في الحياة. نزل الخبر كالصاعقة عليها تمتمت :- "
تحملت فقرك تحمل لو انزله الله على جبل لنزل رمل على الأرض. و الان تجازني بعد ان تحسنت احوالنا بهذا الجزاء؟
" قال لها بحزم :- " تحسنت احوالنا بسببها. نحن مديونون لها." قالت
الزوجة:- " لا اقبل ان اخسرك لقضاء ديننا." بعد قليل وصلت العروس -
صديقتها فسلمت عليها و احتضنتها كالمعتاد. قالت لها بكل اعتيادية انها لن تأخذ
زوجها منها .قالت انهم تزوجوا من اجل اضفاء صفة شرعية على وقوف زوجها معها طوال
الفترة الماضية. ثم ابلغتها ان الدور الثان مسجل باسمها. تمتمت و هي تحتضر :-
" وذهبي؟" سارع الزوج بكتابة ورقة بأنه سيرد اليها قيمة ذهبها خلال مدة
اقصاها العام . سلموها الورقة. قالت لها صديقتها :-" ارتاحي يا حبيبتي. انت
في فترة نقاهة." خرج الاثنان و صعدوا الى الدور الثاني و تركوها مع الورقة ،
تبلها و تشرب ميتها كما يقول المصريين. بعد صعودهما الى الدور الثاني بكت كما تبك
طفلة كسروا امام عينيها عروستها. لطمت وجهها ، شدت شعرها ، قامت ترطم رأسها
بالجدار. ضاع السند. هرع اولادها يحتضنونها و يهدئونها وهم يبكون. حتى هم ضاع منهم
السند. صباح اليوم التالي بعد ان ابلغت والدها و اخوتها بما حدث سارعوا بزيارة
زوجها غاضبين مستشريين غضبا ، تطاول الأخ الأصغر فدفع زوجها حتى ترنح للخلف و حدث
تشابك بالأيدي . قام الوالد ففض العراك و ارغموا الزوج على كتابة ورقة بتسديد قيمة
ذهبها خلال مدة اسبوع و ليس سنة و الا سيحبسونه. ففعل و كتب. ثم قال لهم :- "
كنت متمني اخلي الطابق مستور لكن انتوا بعصبيتكم ارغمتوني اصارحكم. بنتكم الذي
جايين تضاربوا عشانها لا صانت بيتي و لا عرضي. كنت معتقد انها في البيت و هي بتخرج
تقابل فلان و علان." هنا قام الاب و تعارك معه بنفسه و لم يفض العراك الا
الجيران بعد ان تعالت صرخات الزوجة و
الزوجة الجديدة معا. حاول الرجال اقناع ابنتهم بطلب الطلاق فأجابت - :" والله
ما افلت لها سندي!" في نفس تلك الليلة داهمت المنزل ستة نساء ممسكات بالعصي الخشبية
الخاصة بالمكانس و ضربن الزوجة الأولى التي رفضت الطلاق حتى ُفج رأسها . جاء الزوج
بعد تدخل الزوجة الثانية لإنقاذها بأسلوب تمثيلي ظاهر و اتصلت بالزوج فأسعفها و قد ازرقت عينها اليمين. كان يسعفها و
هي تعاتبه. خرجت من المستشفى بغرز في فروة الرأس و جبس في ذراعها الأيمن و هالة
زرقاء حول عينها.
عادت الى بيتها ، لملمت اولادها و ثيابها و عادت الى دار والدها. قام
والدها بإجبار الزوج على اعادة المبلغ قيمة الذهب ثم اجبروه على كتابة الدور الأول
باسمها ، فطلبت الطلاق و طلقها. عرضت شقتها للإيجار. ثم اجرتها لعائلة احد افرادها
شابة في قمة الشباب و الحيوية و الجمال. داعية الله ان تأخذ السند من صديقتها
مثلما أخذت سندها.