خوات أربع ،قلبهن قلب واحد و فرحهن واحد ، همهن واحد، حزنهن حزن واحد
باختصار كن الأربع " واحد".
الأخت الكبرى تخرجت من الجامعة قسم تاريخ ، و اختيها الأصغر في الجامعة اما الصغرى
ففي آخر سنة من المرحلة الثانوية. لم يكن لديهن أخ .تخرجت الأخت الكبرى و لم يتقدم
لطلب يدها للزوج احد. كان هذا الأمر يقلقها و يؤرقها ، وكلما اغمضت عينيها للنوم
حلمت بقطار سريع فوق سكة حديد من المواليد و الرضع ، تهرول عجلاته فوق اجسادهم
فيضرجهم بدمائهم و تركض هي وراءه محاولة اللحاق به لإيقافه غير انها لم تنجح في
اللحاق به و لا مرة. حلم بشع بل انه كابوس! كانت متيقنة ان القطار المتكرر رحيله
عنها في احلامها انما تفسيره هو الزواج. كانت كذلك تشعر بالضيق من اخواتها خشية ان
يتقدم لهن عريس مناسب فيقبل والدها فيتجاوزنها و تتم زيجتهن و تبقى هي وحيدة. غير
انها حوت داخل صدرها مخزن للمخاوف و لم تبح لأحد بهمومها.
بعد بضعة سنوات من التخرج وجدت وظيفة و داومت فيها بانتظام. في العمل
قابلت موظف قيل لها من قبل زميلاتها انه ارمل منذ اربعة سنوات. فتح قلبها نوافذه
المؤصدة بالشمع الأحمر و اعترفت لنفسها ان هذا عريس مفصل على مقاس ظروفها تفصيل و
يجب عدم تفويت الفرصة. كذلك كان وسيم
الوجه ، لعلها اقل جمالا منه. بدأت في التقرب منه. تجلس معه يوميا و استطاعت ازالة
الحدود بينهما فبدأ يشكو لها من وحدته ، و بدأت هي تشور عليه بالزواج حتى يجد من
تعتني به ، تطبخ له طعامه ، ترعاه حين يمرض و تمتعه بالأبوة. كان ينصت اليها مدركا
تماما من تقصد بالذات حين بدأت تهديه علبة من الكعك من عمل يديها ، علبة من الكيك، علبة من الطعمية. كانت فقط
تريد الزواج...و كان هو غير ممانع بعد أن لاحظ سذاجتها و سأل عن أسرتها فعلم ان
والدها قد بنى عمارة لبناته الأربع يرثنها بعد وفاته. كما اشترى لكل بنت سيارة.
تقدم زميلها هذا لطلب يدها و تمت الزيجة خلال شهر و تنفست هي الصعداء كون الله
افرج عنها من اسر العنوسة المقيت، و نظرة الناس للمتأخرة في الزواج الأكثر مقتا.
في اول زيارة لها لمنزل والدها بعد الزواج تجمعن اخواتها الثلاث يسألنها عن الزواج
، فابتسمت لهن قائلة :-" شدين حيلكن و اتزوجين و ستعرفين كل الأجوبة."
كانت الأخت الكبرى هذه بالرغم من انها خريجة جامعة لكنها لا تمت للثقافة بصلة.
كانت لا تقرأ و لا تسعى للحصول على معلومات عن أي شيء. ينقصها الكثير من الوعي. كانت
تؤمن ان الزوجة في واقع الأمر " خادمة" لزوجها و كان الأمر مقبول لديها
تماما كونها اصلا لم يكن لديها شخصية و لا موهبة، و لا كيان مستقل. أمرها زوجها بعد الزواج بالاستقالة من وظيفتها
فتركت الوظيفة دون اسف و حتى دون ابلاغ جهة العمل. كانت تتفنن في الغداء و العشاء
و تدلل زوجها دلال لو علم به احد لحسده. بعد بضعة اشهر حملت ، فسارع زوجها بإرجاعها
الى منزل والدها منذ الشهر السابع و أمرها ان تبقى هناك حتى الولادة لأنه يخاف حين
يخرج الى وظيفته أن يصيبها مكروه اثناء غيابه. فأحمر خديها خجلا من شدة حرصه و
قلقه عليها و حزمت حقيبتها و اخذها الى بيت اهلها و هي تهمس له انها ستشتاق اليه ،
فلا يغيبن عنها و اوصته بالاتصال اليومي و المرور لزيارتها كل يومين. وضع يده على
بطنها قائلا :- " الله يعينك على حملك. طفلنا الجميل." اتصل مرة... و
انقطعت اتصالاته لمده اسبوع. اتصلت به لتجد موبايله مغلق. جن جنونها قلقا عليه.
والد الجنين في رحمها. رجلها. سندها. بأسها و درعها. أخذتها احدى اخواتها الى
منزلها للاطمئنان عليه ، طرقت الباب لمدة ربع ساعة دون جدوى. تركت ورقة لاصق على
الباب كتبت عليه ( اتصل بي . طمئنني عليك. اسأل عني." نزلن درج العمارة
لتفاجئ اختها ان سيارة اختها في الشارع الفرعي جهة اليمين من العمارة، حيث كان
زوجها قد اخذها منها و يقودها هو. استغربت غير انها لم تصارح اختها بما رأت . لعل
تلك كانت الغلطة التي تراكمت فوقها سائر الغلطات. عادت الاختين الى البيت. بعد
عشرة دقائق استأذنت الأخت و خرجت من المنزل بحجة دفع فاتورة موبايلها. عادت الى
منزل اختها. شاهدت بعينيها زوج اختها يخرج من العمارة و معه شابة ترتدي الخمار.
جلست في الكرسي الأمامي بجانب زوج اختها. هل هي اخته؟ ماذا كانوا يفعلون في الشقة؟
لماذا لم يجيب عقب كل ذاك الطرق الذي وصل بأختها ان ركلت الباب بقدميها من شدة
الغضب. احست الأخت ان الدنيا تدور بها. هل
تبوح بما رأت لأختها الكبرى و لتفعل هي ما تراه مناسبا أم تصمت؟ عادت الى المنزل
حزينة و واجمة و افضت بما رأت لأختيها الآخرتين . اتفقنا انه من الواجب ابلاغ
اختهن الكبرى لتتخذ ما تجده مناسبا. ذهبن اليها في غرفتها كانت تبكي فأشفقنا عليها
من بحر من دموع. جلسن معها يتكلمن و يضحكن
. في اليوم التالي دخلن اليها و اذا بها تقول لهن :- " ما السر؟ زوجي لا يتصل
بي ، و موبايله مغلق. هل مات؟"
اقتربت منها اختها الأصغر منها بسنتين، و هي نفسها التي اخذتها الى بيتها و
صارحتها بما رأت. حكت لها عن عودتها الى العمارة و ما رأته. اتسعت عينا الأخت
الكبرى وتمتمت :- " من طيلة ما عاش أرمل ، اعتاد الحرام . فيما يبدو انه قد
عاد اليه." خرجن اخواتها من عندها ، فاتصلت به و حكت له ما حدث و شاء القدر
ان يجيبها بالرغم من كون موبايله مغلق باستمرار. لم تعاتبه على الغياب و لا على
عدم السؤال عنها بل حكت له مباشرة ما رأته اختها فإذا به يجيبها اجابة لم تخطر لها
على بال:-" قولي لأختك ، التي تدعي رؤيتي مع بنت ان تحترم نفسها و تتأكد انني
زوج مخلص. لن تستطيع ان تشكك زوجتي بي. اخبريها ان تحترم نفسها و ان تتركني و شأني
فأنا لست ممن يعبثون بعرض الناس . قولي لها عيب انا زوج اختها و هي تتحرش بي و
تحاول الاحتكاك بي في كل المناسبات التي
تجمعنا. الأن بعد ان يئست من الايقاع بي اصبحت تشكك بي و تحيك القصص المريضة. قولي
لها عيب سأخرج ما احفظه في صدري من محاولاتها و نظراتها للتحرش بي." اغلقت
السماعة ، داهمتها الحمى حتى جلبوا لها الطبيب الى المنزل من شدة ما كانت تصطك
بردا و رهبة.
فورا صدقته. فورا صدقته. فورا صدقته. بعد ان تعافت لمترو لأختها ما
اتهمها به زوجها لكنها باتت تمقتها. كأنها ليست اخت. كأنهما لم يسكنا ذات الرحم
أجنة . كأنهن لم يرضعن من ذات الثدي. بعد الولادة جاء الزوج لزيارتها زيارة خاطفة
و ابلغها ان من الضروري الا تعود لبيتها حاليا حتى تسترجع عافيتها و يكبر المولود
قليلا لأنه ستحتاج من يعاونها في التعامل مع الطفل حتى تتعلم كيف ترفعه، كيف
ترضعه، كيف تغير حفاظته. بدا كلامه منطقيا و لكنها احست بجرح كونه يحارب عودتها
الى منزلها بكل ما اوتي من قوة. تركها في بيت اهلها حتى بلغ الوليد شهرين و اتبع
نفس الاسلوب فلا اتصال و لا زيارة و موبايل مغلق. يسكن في شقة زوجته و يقود
سيارتها و من مرتبه يأكل و يزني. ذهبت اختها يوما الى البقالة المجاورة لشقتها و
سألت عن احوال زوج اختها فأجاب صاحب البقالة بفظاظة من شدة تحمله :- "
اوووهوووو ، لقد ذهبنا انا و كل الجيران و اشتكينا به لدى عاقل الحارة. بنات
يدخلهم ليلا للبيت و صباحا يغادرون البيت. ينامون سويا اولاد الحرام
فـ......" لم تستطع الاستماع الى بقية شكواه. تركته حزينة على حظ اختها. عادت
الى المنزل لتجد اختها الكبرى سعيدة وعاجلتها بالقول :- " جاء زوجي حبيبي
لزيارتي. سأعود غدا صباحا الى منزلي." صمتت الاخت. لم تشرح لها انه لم يقرر
اعادتها الى المنزل الا بعد ان سمع بشكوى الجيران لعاقل الحارة. اشفقت على اختها و
اقتربت فاحتضنت رأسها و قبلتها. دعت لها الله ان يسعدها و يهديها و اكدت لها انها
بريئة تماما مما اتهمها به زوجها. فوجئت بدمعة تجري على خد اختها الكبرى، جلست
امامها تمسح دمعتها متسائلة:- "خير ما بك يا حبيبتي؟ " اجابت و هي تنشج
بكاء:- " عندما جاء لزيارتي لمحت خلف اذنه احمر شفاه. لا يستطيع اتهام ايا
منكن يا اخواتي ببساطة لأنكن لا تضعن لا احمر شفاه و لا حتى كحل. زوجي يخونني يا
اختي ." بكت اختها معها . الأخت اخت... صلة رحم... قوة دم.... حنان حليب أم
ليلا لم تنجح في حمل قلبها المثقل بالدموع ، فاتصلت به ، سردت عليه ما
لمحته. ترجته الا يخرب بيتهم خاصة و ان هذا البيت اصبح بداخله طفل. نهرها بشدة و
لعن اخواتها دون أي سبب قائلا انهن لا يكفين عن محاولات استدراجه. قالت له ان اخواتها لا يضعن احمر الشفاه. قالها غاضبا مزمجرا :- " ليس احمر
شفاه يا معتوهة. اليوم عزمت صديقي وتغدينا سوية في مطعم بيتزا، لعل احمر الشفاه
صلصة."
تنهدت.... لديها طفل هذا ابوه. صمتت قائلة له:- " اوه ، سامحني
ظلمتك. خلاص لا تتأخر غدا ، تعال خذني باكرا اشتقت لبيتي ."