فوق فراش مرضي " القطب الشمالي" ! هل شاهدت هذا المكان في
برنامج عن الطبيعية يُظهر الأماكن الاكثر قساوة في العالم؟ فوق فراش مرضي "
دنيا " بيضاء من جليد ،ممنوع اقتراب الدافئين ، ممنوع التصوير، فليبقى
المعافيين بعيد ، جبال مسنونة رفيعة مكسوة بالثلج ،اما انا ، فهبوط حاد في درجة
الحرارة و ارتجاف من بشاعة البرد. ارى بطاريق صغيرة تصطف اعلى
كتفي ثم تتزحلق بالدور إلى زندي و ذراعي. اتابع لهوها فأحسدها ثم اسمع صوت تزحلقها
و ضحكها بأذاني. اتحسس بأصابعي بطني ، ركبتي ،رأسي، وساقي. يا الله قوالب ثلج
سيقاني!
من لم يجرب ان يكون مخزنا موصدا للصقيع فليتركني لحالي. ليذهب بعيدا عني ويحمد الله دامع العينيين ، يشكره
طويلا ، و يصلي له كثيرا حمدا و شكرا على عافيته التي لم اجد ذرة منها في كياني.
تم تقطير عافيتي من دمي و البرد أعياني. هجمة البرد – و اسمحوا لي ان اصفها
بالهجمة – تنقض علي. لها انياب و مخالب تغرزها في روحي و بدني . عندما احس انيابها
تدخل في لحمي أصطك حتى اكاد اتساقط مع اسناني. هل البرد فصل كما علمونا في المدرسة
ام هو مرض له نوبات كما علمتني لياليَ وايامي؟ ادس قبضتي تحت آباطي. مجمدة قبضتي و
ثلج قعر آباطي. قالت لي أمي و هي تدعك ظهري و عمودي الفقري:-" لا تخافي يا صغيرتي
، حفظ الله اخاكِ، انه خير منك لأنه ليس مريض و لأنه رجل ، انه اوغد و اعصى
اولادي. لسوف يعتني بك و يشتري لك علاجك. لكن طيعيه. اذا قال لك انه ليل قولي له
نعم و لو كان ملئ الأرجاء النهار. إن قال لك واحد زائد واحد يساوي سبعة عشر هزي له
رأسك و لو عارضتك قوانين الرياضيات و كل آلات حاسبة الدنيا. كوني محاذية للجدار.
كوني في الظل. كوني في الصم و البكم . اخاكِ لا يريد ان يرى لك جبهة ترتفع و لا ان
يسمع لك صوت و لا صدى قلم يقرأه الأنام.
هكذا يحبك اخاكِ ، يدافع عنك ، يحميك و يكون حرزك من الأخطار الجِسام. فكما تعرفين
تشاجر اخاك مع عاقل الحارة حد الاشتباك بالأيدي . باغت اخاك عاقل الحارة الرجل
الحكيم قائلا " انا عاقل الحارة" اجاب العاقل
" بل أنا العاقل" ، اخطأ يا بنيتي اخاك ، لا يوجد عاقل حارة صغير في
السن بسن أخاكِ. لكن لابد ان نقف بجانبه
لأنه ابني و لأنه اخاكِ. لابد ان ندعمه و نسند ظهره. قال المثل انا و اخي على ابن
عمي. فإن نجح اخاكِ في ان يكون عاقل الحارة ارتفعت مكانتنا، خطب الكل ودنا و تشرف
بنا كل اهل حارتنا. انظري الى وضعنا الأن. لا أحد يصافحنا، لا احد يذكرنا، لا احد يخطب
ودنا او يجاملنا. نحن بكل أسف قمامة حارتنا. بسبب رعونة تصرفات أخاكِ. لكن ان نجح
في ان يكون عاقل حارتنا اصبحت كل رعونته سلامة و صحة تصرفات. اما الأن كما اسلفت
لك يا بنيتي لابد ان نقوي ساعده و لورماك و رماني ، انا أم و الأم تضحي بنفسها من
اجل ابناءها. سأقوي عضلاته. فهو يعمل على بناء مكانة لنا بين الناس. في هذا انا
سأساعده ." تمتمت برغم تجمد لساني :-" طبعا يا أمي أكيد. شرط الا يغلط.
انا لن اقف معه في غلط و لوكان اخي ـ ابن أمي و من صلب ظهر أبي. لن اسنده في غلط و
لو بحث عن مكانتنا بين الصخر. الغلط لا يا أمي، لن اسانده في غلط و لو اخرجنا
للفرج من كل ضائقة ، لن اقف مع الغلط و لو جاءت بالغلط ملائكة." صمتت لبرهة
أمي كأنما هي تؤيد كلامي، ثم تمتمت :-" تعالي يا ابنتي. ضعي رأسك المنهك على
حجري. تعالي اعوضك على مرضك عطف. سأمسح على شعرك بحناني." وضعت رأسي على
حجرها كما طلبت مني أمي. لست ادري لما تسربت من مسامي الدموع. لعل دفء حجر أمي و
رائحة ثوب أمي و وقع اصابعها على رأسي أشجاني فأبكاني.
في تلك اللحظة دخل اخي . تمتمت بالمعوذتين. كنت ارتعد من البرد و من
الخوف. وجهه يسكنه الف جني. دعوت ربي ، اصرف، اصرف يا ربي جنيه عني . صاح اخي في
وجهي:-" ذهبتِ يا زانية يا ابنة الزانية الى صديقتك و هي ابنة عاقل الحارة و
انت تعلمين انني في حالة حرب مع والدها. جنيتي على نفسك يا اخت سوف اتبرأ
منك." اجابته امي و هي ترتعد فأحسست برعشة عضلات حجرها تحت اذني:-" اهدأ
يا بني. من اوشى بهذه الوشاية كاذب. اختك مريضة لم تبارح حجري." اضفت
انا:-" لا تصدق .انا لم ازر احد. انا مستلقية في حجر امي." اقترب فأخذ
ملئ قبضته خصلات من شعري. تمنيتها انصال زجاج و ثلج تمزق انسجة كفه. لكن الى الله
امره و الى الله امري. بجذبة واحدة قوية اسقطني على الأرض بينما ارتمت امي توقف
ضربة الأرض عن خدي. نظرت الى أخي بصمت. يصمت الضعيف و يصمت المغلول غلا مثل غلي.
قلت بوهن:-" لم ازر صديقتي. بل قاطعتها منذ تعاركت انت و والدها." كنت
احاول اقناعه و كياني كله يهتف يا رب اصرف جنيه عني. صاح في وجهي الملقي على
الأرض:-" حين اخرج تخرجين. رآكِ صديق لي و اقتفي اثرك. لمحك تدخلين منزل عاقل
الحارة. فإما انك على علاقة بالعاقل نفسه اوانك تزورين ابنته ، أي الافتراضين حدث
يا مكارة؟" هززت رأسي بالنفي وتفوهت بكلمات بالكاد ُتسمع:- " قل لمن
اوصل اليك هذه الاشاعة الكاذبة ان يحلف على ما رأي. اما انا فأقسم بالله العظيم
انني لم ابارح حجر امي الا الان حين اسقطتني ارضا. اسأل حتى أمي." تبسم باستهزاء و احتقار وعلق:-
" ستدخلينها النار أمي!" سمعت و
انا في الأرض حجر أمي يزدرد ريقه . اما انا فكنت اذوي. اتحول الى بقعة ماء. اريد
من كل قلبي ان اذوي. لا تليق بي حياة البشر ، البشر لهم كرامة و حقوق و انا عصفورة
محبوسة في قفص و يجبرني السجان ان اغني! رفع اخي سبابته مهددا:- " اياك و
تكرار زيارتك لبنت العاقل. قد نبهتك فانتبهي. و الا شوهت سمعتك و قلت انك تدخلين
للقاء العاقل نفسه" اجبته كما ينطق الميتين بالشهادة:-" تكرار؟ لم ازرها
اصلا، لكن حاضر لن اكررها !" تجاهلت بشاعة ما كان يهددني به. مضي من
امامي. رأيت كل الميتين يفكون اكفانهم عن
هياكلهم العظمية و يترجلون امامي. اخبرتني امي ان اخي يوزع منشورات تقول ان عاقل
الحارة الحالي عميل لشركة عبيد ، و انه يختطف النساء و يأخذهن للعمل و الخدمة و
الرقص و المتعة في قصور بلد قريب لكن بعيد. اخبرتني ان نساء الحارة يصدقن هذه
المنشورات و يريدن اخي عاقلا للحارة لكي يدافع عنهن و عن اعراضهن. ذكرتها انه لم
يتم اختطاف امرأة واحدة. لم نسمع عن امرأة واحدة من حارتنا تخدم في قصور هذا البلد
القريب البعيد. انها اشاعة لكي يتشبث الناس بأخيكِ. انها خيال الحقل الذي يرعب به
المستضعفين و العبيد. " صمت اتفكر في كلام أمي. ماذا نفعل يا أمي. ربى و غذى
حكامنا السابقين الجهل و اطعموه لكي يذبحوه
صباح العيد. هكذا يا امي الحياة. ناس غنم و ناس سوط و رعاة. ناس جزم و ناس
تيجان. ناس بواليع و ناس براري ازهار.
في الليل عاد اخي. كانت امي قد تركتني لتطهو لي شيئا أكله. دخل اخي
الي، عدت ادعوا الله يا رب اصرف جنيه و اصرفه بكله عني. رأيته يقترب وشعرت بالرعب
وهو يقترب مني. موحش ان تخاف الاخت من اخاها. صاح مقربا فمه من اذني:- " كيف
حالك؟ عادك بردانة؟" بلعت ريقي. لم ادر بماذا اجيب. هل اقول نعم فيغضب مني ام
اقول لا فيتمادى في ظلمي. ظللت مطبقة شفتي. قال لي: -" اذا اردتِ النجاة كوني
في صوبي. اذا اردتِ الهلاك كوني ضدي. اختاري انت ما شئتِ." سمعت امي صوته
فهرعت خاشية ان يؤذيني. كانت تحمل حساء يتصاعد منه بخار. بادرته لتلطيف ملامحه
التي نطقت بكل شر:- " هيا ايش؟ تأكدت بنفسك ان اختك لا دخلت و لا خرجت."
قهقهة بحرية حسدته عليها. اجبها :-" انا لم يخبرني احد انها خرجت. اعلم جيدا
انها لم تفعل. لكن كذبت و الفت هذه القصة لكي اخيفها مني. وكي لا تفكر ابدا في هذه
الزيارة. " حملقت في وجهه اعاد الي تركيزي. بينما شهقت امي و خلت الحساء من
يدها فسقط ارضا و تناثر في كل اتجاه. تذكرت غضبه في الصباح. ذكرت كيف جذبني من حجر
امي الى الأرض. ذكرت كيف اتهمني في شرفي و هو شرفه و العرض! كل ذاك كان
تمثيل؟ شيء مرعب مخيف... ان نحيا يا ناس
مع من دماءهم طوفان يجرف عروش المستكبرين. ثم اضاف مزيدا من التوضيحات المرعبة مثل
ان العاقل الحارة لم يرسل احد للخدمة في البلد البعيد. و لم يختطف احد. و انه لا
يريد من منصب عاقل الحارة الا ان يدعوه الناس للغداء ، و يقدمون له القات هدايا
دون ان يدفع ريال. كل ما يروجه كذب.
في تلك اللحظة سمعنا هتاف عند نافذتنا في الشارع. فتح اخي النافذة
فرأيت جموع غفيرة تهتف و تصرخ له . مسكني اخي هاتفا بالجموع:- " انظروا الي.
ارعى اهل بيتي و لا افارقهم كي لا يتم اختطافهم. احمي شرفي و عرضي. هذه اختي. اشرف
على علاجها، اعتني بها . انا من سيرفع
عنها و عنكم الظلم. و بعدها يا حبايبي الحمير سأظلمكم انا .انا حرز يدفع عنكم أي
بلاء." اخذني و سندني الى النافذة ، هتف بالجموع :-" اسألوا اختي عني.
اسألوها عن عطفي ، قوتي و عدلي. انا حرزها ، حرزكم بل انا حتى حرزي." نظرت
الى الجموع المستميتة في محاولة التقاط صورة لأخي. قلت لهم بوهن حيث ما عدت أبهه
بما سيجري:-" انه اخي. لكنه وزري." التفت اخي الي ، لم يصدق ما سمعني
اقوله. اما الجموع فلم تسمعني لأنها منهمكة تأخذ لأخي الصور و تعلق عليه و علي.
وجه رشاشه صوبي. افرغ ما لديك من رصاص.
فجأة ، قمت من نومي. كان كابوس ترك على فراشي جليد
يا رب مد بعمري....فقط لأرى في اليمن يوم سعيد ، حيث يؤمن الكل ان
محمد هو خاتم المرسلين.
سلوى الارياني