الفرار سيراً من الوطن!




 بطبيعة الحال لا يتلقى أي جواب ، لأن المضحك أن لا أحد يدري. لكن ظل سائرا يا بني ، قد تنفذ من عنق الزجاجة ، و إن استطعت اجري! لا يتلق أي إجابة سوى أنين ملايين الجائعين ، المرضى ،الأميين و المتسولين عند الباب.  ماذا يحدث في بلدي؟ كأنما هي دمية...يلعب بها كما شاء لهم الفتية....... المتحرشين!   يلعب السياسيين بالناس ، بالشعوب... يبخسون بشكل فادح أعمارهم.... ينحتون بشكل قاهر أقدارهم. منظري و أنا أتسول مع المتسولين ، حز في نفسي ، حفر نفق في صدري. يا رب دبر أمرنا ....فأنا فشلت في تجميع شتات نفسي، عاجزة عن تدبير أمري. نحن الشعوب ها هنا في الوطن العربي، لا نحن ُدهاه ، و لا ُعصاه ! ليس لنا في قائمة المطالب سوى الأمن و القوت ، و حقوق الحياة البشرية من وقود، كهرباء، غاز و مياه ! لا نشتهي مناصب ، لا نخطط لكراسي ،لا نهدف لشهرة و لا حتى نتطلع لمال زائد. اتركووونا نعيش !  نحن شعب يدعو الله أن يستره بالكفاف. لا ندعو لا بحلوى و لا فواكه ...بل نرضى بالخبز الجاف.
انظر إلينا... كل ما فينا بحجم  الطفل الوليد. قاماتنا ،أحلامنا، مطالبنا ، جهدنا ، َجلدنا ، نخوتنا ، عروبتنا ، كل شيء فينا  بحجم الوليد. لا شيء كبير سوى العقل، و هو فعلا عظيم لكن تبا له ، ما جدوى عظمته في التفكير و التعبير ـ ما دام  قعيد؟!
ها أنا أقف حافية مثل كل الحفاة الواقفين في الطابور أمامي و الحفاة الواقفين في الطابور خلفي. يزحف الطابور ببطيء شديد.
 نريد ماء!
للأسف الجبابرة الظالمين لعبوا بنا. تختلف وجوههم صحيح لكن جميعهم لصوص و خونة. لا أحد يموت منهم...للأسف عمرهم مديد. كلما قام أحدهم بالسطو على مال عام، كافأه الأبالسة و أرشدوه لسطو جديد! لا أحد يموت سوانا... في الطابور الطويل... يرتمي منتقلا- إلى رحمة الله - مواطن في الجهة  الشمال و آخر يسقط مغشيا عليه في الجهة اليمين ، و الطابور يسير ببطيء ، حتى فوق الجثث يسير. نحمل قوارير و أوعية مختلفة لتعبئة الماء و الخزان كبير... لكن يجلس عند حنفيته رجل أجنبي لا يسمح لنا سوى بأخذ قدر ضئيل. انه ليس أجنبي من أمريكا أو أوروبا ، لكنه أجنبي لانه يمني لكن اليمن التي تجري في دمانا ، لم يجرب جريانها لديه في أي وريد!
يتأملنا الراحلون من بلدنا ـ اللاجئون إلينا سابقاً  في ما مضى من السنين- أفواجاً من الصومال ، العراق و سورية. يلوحون لنا مودعين، فلا شيء يجبرهم على تحمل ُمر الأخرين . يستعمرني سؤال شاذ وحزين ، أهذه حقا ً اليمن ؟
نلوح لهم بحزن ، اسبقوا ، عين الله ترعاكم ، قد نلحق بكم أيها البؤساء السابقين! نشعر جميعا و نحن نتلفت لبعضنا البعض بشعور هؤلاء اللاجئين، و نشعر بأن وضعنا بات من وضعهم..قريب ! سيخرجنا الأبالسة  من اليمنيين من يمننا الحبيب!
يأخذ البعض من المحظوظين الماء القليل إلى بيوت خاوية ،ثم نذهب إلى الطابور الثاني ، مع اسطوانات الغاز. يتحرك الطابور ببطيء شديد. بعد ساعات يلوح لنا العامل المسكين بعد أن تلقى الأمر من الأجنبي – اليمني القاعد بجانبه في مقعد وثير هاتفا
:- " كمل الغاز ، عودوا إلى منازلكم !"
نعود أدراجنا  نشتري خبز و بعض قطرات من الماء. أنا من الشهود أن ما هكذا تمر الحياة!  هذه حكومة – لو تمكن ابالستها من الهواء -   لشفطوا الهواء من الفضاء و لضخوه في اكياس و باعوه و سنشتريه لنتنفس للبقاء على قيد الحياة ! نعود لمنازلنا الغارقة في الظلام. لا يوجد لدينا شيء اسمه كهرباء ! لدى الكثير منا مولدات للكهرباء لكن لا يوجد لا البترول و لا الديزل لتشغيلها...فذاك طابور آخر.
الأبالسة ؟ إنهم هم الابالسة من يطفئون الكهرباء إما لكي يربحوا من تجارة الشموع أو إلا لكي يتباكى الناس على عهدهم و يذرفون الدموع. القضية واضحة . و أن صدق بعض المراقبين، المحللين اننا "حمير", لكننا لسنا لهذه الدرجة من الغباء!
نحيا حياتنا في ظلام. هناك من تصطدم انفه  بالجدار ، هناك من يدوس بقدمه يد طفل رضيع ،هناك من يدخل بالغلط بيت الجيران... ضقنا يا جماعة ، سئمنا دعونا ننام!              الله جميل و صبح الله قريب.
صباحا نخرج لوظائفنا.
 تباغتنا قهقهة..... هههههه
 نضحك ما دام لا زال الضحك بلا طوابير. أي وظيفة هذه التي نداوم عليها في هيكل كل عظامه متخلخلة؟ هذا الرئيس مهرج و هذه الحكومة شرذمة ، هذا الشعب الأبالسة فيه أضعاف أضعاف الطيبين. جميع اعضاء العصابة ، كفرة ،من صلى و من لم يصلي ، فهم لا يذكرون الله و لا يخشونه ، إلا قبل تقسيم خزينة أو غنيمة تجدهم يتمتمون بالبسملة ! لا فرقا نلمسه بين نظام سابق و لاحق ، النظام في النظامين ضائع ـ كلهم مصوا دمانا ، كلهم خونة بل كلهم واحد!! إنهم مهرة و عباقرة لكن ليس في دفع عجلة التقدم و الازدهار لهذا البلد ، لكنهم يتمتعون بعبقرية العاهرة ،حين يعرف الناس أنها زانية و يبصق الخلق في وجهها ، لكنها تظل داخلة، خارجة ، آكله ، شاربة ، ضاحكة ، راقصة ،لابسة ، عارية، غير آبهة ! تظل هي – مثل الحكومة بالضبط – نائمة طوال الصباح و الظهر و المساء ...و في الليل تكتحل بسواد الليالي و تظل ساهرة.  حكومتنا تسترزق مثل اي فاجرة!
سئمنا الفجور و الفجرة... رفعنا رايات الاستسلام ، أنشدنا اناشيد الخنوع...
ما عاد لدينا أمل سوى في الله الحي القيوم... رب خذ بايادينا الممدودة اليك. سنغير ما بأنفسنا من سوء... سنؤمن بأنك يا كريم بعد ذلك سترضى عنا و تكتب لنا الخلاص بعد الليل الطويل   والصبر الجميل...  ... بعد أن ننجح بتغيير أنفسنا... سنجد حتى في الليل... يشرق  أجمل صباح . قولوا أمين !



أحدث أقدم

نموذج الاتصال