عاش الكلب!!
ظللنا طوال أعمارنا وظلوا اجدادنا طوال أعمارهم، من سبقونا كانوا مثلنا
نسقي و نعتني بمزرعة سوانا. لست أدري لما؟؟ ضعف، ذل، استسلام، عدم وجود روح النضال
لدينا؟ أو احتمال بكل بساطة يكون غباء؟!
أينعت ثمار مزرعتنا، فاح عطر زهرها ، قطفنا لهم ثمارها ،
من هم؟؟ انهم من بسلطتهم تملكوا المزرعة، فأكلوها هم، بعنا لهم ما فاض عن حاجاتهم
من محصول و استلموا المال هم، عاشوا من خيراتها و تفرجنا عليهم ... خيراتها التي
هي في الأصل خيرات سواعدنا و ليست خيراتهم هم!
ليس لديهم أوراق تثبت ملكيتهم للمزرعة و لكن امتلكوها
بوضع اليد القوية. فالقوي يأخذ نصيبه في حلقة السباع المتآمرة و الضعيف ينهرونه
صارخين" قم!"
نحن لا نتذوق من الثمار شيء، و ذلك لأننا عبيد و السادة
هم. رضينا أم رفضنا سيانِ.
يخنقنا الطوق المقيت حول أعناقنا. ذبحنا ضيقه ، خنقتنا قوته.
نرخيه بأصابعنا قليلا علنا نتنفس و
لو قليلا
لكننا لا نتنفس... نسحب نفس طويل فلا نتنفس..و ُنجهد و ُننهك و نلهث... و
لكن و لا لأي شيء نتحمس لأنا قد فقدنا الحماس والعزم. هم اولي عزم و مصدر حماس، أما
نحن فخانعة خطانا و مرتعشة هواجسنا و السبب هم!
كان يحلو لي أن احمل مالك المزرعة مسئولية كل شيء في
المزرعة. فإذا مات أحد العمال أثناء نومه قلت انه مات مقهورا و قلت أن مالك
المزرعة هو السبب، و إذا سقط أحد العمال بالسكتة القلبية و في يده المعول قلت أن
مالك المزرعة هو السبب، و إذا أصيب احد
العمال بحالة من العزلة و الاكتئاب قلت أن مالك المزرعة هو السبب، من جن من عمال
المزرعة و مشى في الشارع أشعث الشعر و حافي أقول أن مالك المزرعة هو السبب، من ضرب
أحد أولادة اللحوحين في طلب لعبة ما، قلت أن مالك المزرعة هو السبب في الضرب. الست محقة في هذا؟؟ أليس هو السبب حتى في شح
الماء في القصب..هو سبب من أزدهر في المزرعة و هو سبب من هاجر ،سبب من عمر و على و
سبب من تشرد و سبب من أستقر و سبب من ذهب.
انه السبب
انه السبب في اليد الممدودة للسؤال ، هو سبب من اكتنز
المال و الذهب، هو السبب إذا جعنا و لم
نجد ما يسد الرمق، هو سبب المتخمين المرضى من كثرة الأكل. هو السبب...يحلو لي أن أحمله و اشهد الناس عليه
و العنه....انه السبب، إنه السبب!سبب كل من خان، سبب كل من أختلس و سبب من نهب!
نرجوه يوميا أن يمنحنا شيء من الراحة من العمل، غير انه
يخشى إن تنفسنا تمردنا لذا كان يحكم علينا
الخناق و يمطرنا بالمغيبات عن الوعي و المسليات مثل نافخ الخدود و المخدرات ،
الجاذبات للاهتمام ، الأدخنة ، المسلسلات الرومانسية التافهة التي لا تنتهي ،
القنوات الفاضحة ، الصور العارية، و يأمرنا في هذا أن نعيش! نرجوه يوميا أن نتنفس
قليلا و نشرح له أهمية التنفس الطبيعي الماسة ، و أن الله سبحانه و تعالى خلق
الإنسان مخلوق يتنفس و أن إيقاف تنفسه و تضييق تنفسه حتما يقتله رويدا.
لكننا ظللنا كما
شاء لنا أن نكون. نرجوه و نحن نسقي، نبكي و نحن نسقي، نطيع و نحن نسقي، نشكو و نحن
نسقي، ندعي الله أن ينصفنا و نحن نسقي، ندعو الله بكرة و أصيلا... يا الله أنت
تمهل و لا تهمل. يكفي تمهل، فقد أمهلت كثيرا. ربي نحن لم نستطع لهذا الأذى دفعا،
ما عاد في معاصمنا قوى.. فلا تهملنا يا أرحم الراحمين، نحن ناظرين إلى طوق نجاتك
فانجدنا، مادين إليك أيادينا فخذها، و لا، يا رب، لا تتركنا نقضي ما تبقى من
أعمارنا نسقي مزرعة سوانا. ربي... نحن نخاف بطشه و نتقي شره. ربي أنت العالم بما
في قلوبنا، و تعرف أننا نحبك أنت و لا نحبه. لكنا نخاف أن تجر نسائنا من شعورهن، و
رجالنا من وجوههم و أطفالنا من أذرعهم. ربي نحن نخاف العقاب. نخاف الرصاص، و
اصطدام السيارات، الاختفاء، الاغتصاب، التعذيب، التشويه، الضرب و الزنزانة. نحن
نخاف أن نراهن مالك المزرعة لأنا حتما خاسرين الرهانَ.
لذا لا زلنا نسقي. ندعوا الله أن يبلوه. بودي أن أرى بعيني الدامعة هذه هو و ذريته و
حاشيته يقتربون من قبورهم.سأتقدم جنازتهم لأرمي الفل أمامهم. سيشيح الناس بوجوههم عني،
لا يريدون رؤية الحاقدين أمثالي، الشامتين في الجثث و أنا لن أهتم و سأرقص أمام أعينهم و أدق الأرض بقدمي،هذه
الأرض عادت لنا، أنا قد أكل هؤلاء الميتين مني الصدر و قضموا الساق و الوجنتين...
فكيف لا أفرح إذا ماتوا و انقرضوا... كيف لا أرقص و أطرب بل و أحلق كالصقر و
أجن!!!
ربي رحمة أنت و نعمة... فارحمنا. صعب أن نكره ناس و نعمل
في مزرعتهم لخيرهم. صعب و قاتل أن نتمنى زوالهم و في ذات الوقت نهشم ركبنا لكي
يتقدم موكب سيرهم. صعب أن يعيشوا من خيرنا
و نحن ندعي الله أن نتذوق ولو بطرف
ألسنتنا قطرة من خيرهم.... صعب، صعب!
صغارهم يا ربي يتأرجحون و يتدللون و صغارنا انظر إليهم
لا يجدون القوت، انظر إلى ملامح الشح في وجوههم . نعلم صغارنا أركان الإسلام و
نعلمهم حب الله و الركوع لك و السجود... و أولاد إبليس يتنعمون بنعم الله، يا الله
نعمك، كلها، كلها و هم كفرة، لا هم مسلمين و لا نصارى لا و لا هم يهود! يا رب
أنصفنا، لقد أدركنا الإيمان بما قضيت ففهم
الكافرين الدروس.
و إذا ما قارنا حتى بين كبارنا و كبارهم وجدنا كأننا من كوكب آخر غريب لا
يمت بصلة لهم! فهم رائعون متفائلون ممتلئة بالرومانسية قلوبهم، مشرقه بالفرح و
السفر أجنداتهم.. حين يقبل عيد الحب في فبراير، يحتفلون به و يهدون بعضهم شموع
حمراء و قلوب وسائد... و نحن نلد بعد مخاض عسير، نلد ذكرى مضرجة بالدماء، فقط لنستحضر
كيف هي الأعياد..و ما معنى العيد عندنا... و هل هو ذاته عيدهم؟
لماذا هكذا نحن.......... لماذا
هكذا هم؟
لما سكتنا لهم يخطون بأحذيتهم فوق
أعيننا.... فنعرف مقاسهم و وزنهم، لماذا سكتنا لهم ليلقون الخطب عن مجدهم و أصولهم
و تاريخهم.. لماذا لم نقطع ألسنتهم يوم أن بدؤوا يتشدقون بثيابهم و مجوهراتهم... و
نحن أمامهم منصتين لا شيء لدينا سوى الستر يسترنا و هو ستر بلا ُكم!!! نحن نستحق الذل لأننا انحنينا لهم. فمن
قد أحنى جبينه لا يعود قادرا على النهوض حتى لو قال له القاضي العادل قم!
أنا من الناس الذين ملوا التاريخ الذي يعيد نفسه، مللت الفقر و الثراء،
السادة و العبيد، المساجين و الأحرار، الآمر و المأمور،مللت النفاق و المداحين،
مللت الظلم المتوارث و أجيال المظلومين المتزايدة، مللت مللت مللت. سئمت الدم،
الغدر، الجوع، الجهل و الأمية. ليست أمية الألف باء بل أمية الإنسانية. لماذا نركع في مزرعتنا للأقوى و إن كان القوي كلب
لا يسوى؟؟
نادانا فجأة مالك المزرعة لنتجمع
لأنه كما قال لدية نبأ هام. تجمعنا و نحن في سرنا نلعنه و ندعي علية. وقفنا كلنا
في الساحة لنستمع لسخف تعبيراته و لنتفرج على مهرجينه و راقصاته. يصفقون له ـ
يزيحون الخلق من طريقه،حضر كما يحضر القضاء الفادح و حل أمامنا ليقرأ من ورقة
ملفوفة مثل الدودة أخذ يعدد منجزاته. أدعى أنه جعلنا أسعد و أكثر تطورا. و أنا
اسأل من حولي هل ترونه؟؟ أنا أسمع الصوت فقط!!! يا الهي ، أعمانا الله يعميه. أنا
لا أراه يقف أمامي و لكني أسمع الصوت يخطب. وقفنا لا نرى، نسمع و لا نتكلم. قال
لنا انه قد قرر استيراد و استقدام كلب بوليسي من الخارج يتمتع بخاصية فريدة من
نوعها. فقد كان يخرج بحاسة شم المواطن الخائن من بين ملايين البشر. هذا الكلب تم
تدريبه في الخارج و سوف يحضر مع مدربيه و طباخيه و حراسة. و أن الكلب سيدور على كل
بيت و أن لا داعي للاختباء لأنه يشم إلى بعد سبع طبقات من أسفل الأرض. نظر بعضنا
إلى بعض. لما أستقدم الكلب؟ نحن نحب المزرعة و لكنا نكرهه هو! فهل يشتم الكلب
رائحة كراهيته كرائحة من روائح الخيانة؟؟ في الليل اجتمعنا في حظيرة الخيل نتناقش. أفتى
البعض بأن الكلب كذبة و أن مالك المزرعة سيختار من يريد طرده من المزرعة و سيدعي
أن الكلب أخرجه لأنه خائن. خمن البعض الآخر أن الكلب وجه آخر يتولى الاعتقالات دون
أن تلقى باللائمة على مالك المزرعة. قال البعض أن الكلب ببساطة لحفظ مكان المالك و
للتأكد من عدم سرقة أحد للمحصول. تعددت النقاشات و التبريرات...
فجأة سمعنا صوت نباح مخيف، الكلب كما يبدو بدأ ممارسة مهمته...ركضنا إلى
فتحات في الحظيرة و نحن نرتعد من نباحه لنجد في ساحة المزرعة الكلب في عراك شرس مع
رجل لم تتبين ملامحه من عنف العراك،من
الضحية الأولى لأنيابه؟ بعد تغلب الكلب
امتدت الجثة أمام أعيننا، يا الله، لقد مزق الكلب مالك المزرعة!!! كلب ذكي، اشتم
أن مالك المزرعة هو المتسبب في الخيانة. عاش الكلب ، نصير
الغلابة،لاشك انه قد أشتم من مالك المزرعة رائحة الخيانة. عاش الكلب ’ كلب مخلص و مدرب
على الأمانة.