لا يصح إلا.... الريش !




                 

                                   درست في بلد عربي  قسم إعلام و كذلك هي. أحب الكتابة و كذلك هي. أكتب يوميا و كذلك هي. أكتب عن حب الوطن، قضاياه و كذلك المواطن اليمني في موطني اليمن و ما يتكلم الناس عنه في الشارع اليمني. أكتب مستهدفة الإنسان اليمني.، أما هي فتكتب عن علاقة الرجل بالمرأة ، تكتب عن الحب و الغرام. تكتب عن كل ما هو مكبوت أو ممنوع. تكتب مستهدفة الحيوان في المواطن اليمني!

 أقر و لا أنكر أن الرجل تهمه المرأة و يحبها، و أن المرأة تهتم بالرجل و تحبه ،لكن أجد أن كليهما لابد أن يهتما باليمن لأن في عافية اليمن عافيتهم و يا حبذا لو يحبانه! هكذا أنا......هكذا هي.......
بصراحة و بدون أي إحراج أو مجاملة لأي منا تفضل أن تقرأ؟
 أنا أجد أن كتابتها تخاطب الرجولة و الأنوثة بشكل مباشر و تستثير الغرائز التي لا يجوز إثارتها ، تفعل ذلك بكل حرفيه عن طريق العزف على وتر الكلمات الرقيقة و الموحية. من يقرأ لها يبتسم، يتنهد ،أو يستمتع، لكنه لا يفكر! أما أنا  فأجد كتابتي جوهرها حب الوطن. تخاطب الضمير اليمني النائم في بيات شتوي طويل، لغتي غنية بالمفردات المتنوعة. قواعد اللغة و الإعراب في كتاباتي أفضل بشكل ملموس من الموجود في كتاباتها. كتاباتي تجعل القارئ يشعر بالغضب و أحياناً الضجر و الكآبة لكنها تدعوه إلى التفكير البناء المستنير.مع تطور كتابة كلا منا  بسبب تمرسنا في الكتابة نضجت كتابتي فأصبحت لا أكتب عن حب الوطن، بل عن أعداء وطني. عن الغاصبين الفاسدين الذين ينتهكون عرض وطني. بدأت كتاباتي تحوي أسماء، تواريخ ، أرقام و تحليلات سياسية. أما هي فتغيرت كتاباتها فما عادت تكتب عن العلاقة بين الرجل و المرأة بل عن رغبات كل جنس في الأخر و وسائل جاذبية كل جنس. تستعرض ما هو ساحر في المرأة و ما هو رائع في الرجل. ترسم  لا بل تنحت صور ملموسة لمشاعر و أشواق جميلة و  لكن هذا ميدان كل من فيه خاسر. أشبهه بميدان فيه  متفرجون كثر، النزال بين رجل و امرأة و الهدف هو "من يغلب من؟"، بالتالي الكل خاسر لأن الله فطر البشر و ليس لفطرة الله غالب. كنت أنا غالبا ما أنهي كتاباتي بـ "و برغم هذا أحبك يا يمن" ، كانت هي تنهي كتاباتها بـ " و برغم هذا أدمنت عشقك أيها الرجل!" في رأيي الشخصي لم تكن زميلتي سيئة الأخلاق لكن كتاباتها  حتما "فاجرة"!!، و من وجهة نظر زميلتي فإن كتاباتي" تقصر عمر " قارئها و تجلب له الشؤم و الهم و الغم!!
كانت لكلية  الإعلام التي ندرس فيها موقع الكتروني ضمن شبكة الجامعة ، يكتب و ينشر فيها طلاب كلية الإعلام منذ سنة أولى و حتى التخرج ما شاء للطلاب كتابته بدون قيد أو شرط. يقرأ طلاب الكليات الأخرى هذا الموقع ، كما يتصفحه مختلف الأساتذة و الدكاترة من كافة الأقسام. كان هذا الموقع يسجل عدد القراء لكل مقالة و يسمح بترك تعليق حول المقال. كان هذا الموقع من أهم وسائل تقييم الطالب عند تخرجه و اجتيازه الامتحان النهائي بنجاح. لم أكن أهتم بأي من طلاب القسم و لا بكتاباتهم، لم أنافس أحد منهم، فقط كنت أهتم بكتابات زميلتي هذه ربما لكوننا الاثنتين من اليمن، و لكوننا الدفعة نفسها و السبب الأهم أنني كنت ضد جرأتها و طالما تمنيت أن تجد تعليق ينتقد أسلوبها أو يذكرها أن ما هكذا  يصح أن تكتب الإناث في بلادنا اليمن! غير أن العكس هو الصحيح، فقد كان يتراوح عدد قرائها ما بين ال400 و الـ700 بينما أنا عدد قرائي قارب المائة، و من جبر خاطر الناس جبر الله خاطره. كذلك عدد التعليقات لديها كان لا يقل عن الستة، و قد يصل إلى الـ 15. بينما أنا على كل مقالاتي لم أرى سوى تعليق واحد و كان تعليق غريب،عجيب يقول فيه المعلق:- " بارك الله فيكِ ، إدي العيش لخبازه!"
لاشك أنها قد سكرت من كأس خمر النجاح، أما أنا فأحتسي  فناجين الحيرة و الغيرة للأسف! لماذا لا أجد من يقدر ما اكتب؟لماذا لا يحيط بي الثناء و المديح مثلها؟ هل هبط و أنحدر مستوى القراء الثقافي مثلما أنحدر مستوى المستمعين بحيث أصبحت "مؤدية" مثل هيفاء وهبي من أشهر المغنيات  فقط لأنها ساحرة الوجه و رائعة القوام، فضلا عن كونها تظهر الكثير من جسدها؟؟ كنت أواسي نفسي بمثل هذه السلوى. فإذا كان مستوى الشعب الثقافي قد أنحدر، فإنني لست من ُيلام ، بل الشعب هو التافه ، السطحي أباً عن جد.
كانت زميلتي كثيرا إذا لم يكن دائماً ما تعرض علي ما ستنشره قبل نشره. كنت لا أنافقها و لا أخفيها رأيي. قلت لها مرة: - "تكتبين ما تكتبين ، و لك وجهٍ جميل ، و تعبرين بكل حرية عن احتياجك لشريك ،استغرب كون الشباب لا يتقدمون لخطبتك؟! "أجابتني :- "لا تستغربي عزيزتي ، حولي كثيرون لكنني لم أعثر بعد على فارس أحلامي.كلمة "فارس أحلامي" مصطلح بائد أعادني لعصور الرومانسية الغابرة. فمال هذه الساحرة  الحلوة الشريرة تنبش القبور ؟ أخذت منها الورقة بسرعة و قرف لكي أقرأها و أبلغها برأيي. كانت هي هذه المرة تمعن في التفرس في ملامح وجهي. ظللت أقرأ حتى وجدتني أعض شفتي السفلى من إباحية  و فسق ما أقرأ!  سألتني بدلال :- "هاه؟ ما رأيك؟" لم استطع الإجابة من شدة تعجبي من قدرتها العظيمة على هتك أسرار النفس البشرية فيما يتعلق بالرغبات المخفية. أعادت سؤالها بإلحاح:-" هيا ، أريد سماع رأيك." أجبتها بصراحة كعادتي :- "كونك يمنية فهذا جدير بالاحترام لكن ما كتبتية اليوم لا ُيعد أدبا ً بل قلة أدب!! "انفجرت ضاحكة  بنشوة الفائز ،هتفت:- إ"ذن فوراً أطبعها و أنشرها، فما لا يروق لك من كتاباتي هو ما يحصل على أكبر عدد من القراء و التعليقات، سلاااااام. "
جذبت الورقة من يدي و مضت. قد تسألونني ماذا كتبت؟ حسنا، أنا أستحي من ذكر ما كتبت لكنها حكت عن بنت حافية ، تمشي في غابة تحت مطر غزير، تحتضن الأشجار و تشتم عبيرها الفواح، و تلثم الأزهار... و فجأة يكتشف القارئ أن الفتاة فوق صدر رجل و أن الغابة سرير، أقحمت في القصة عنكبوت غزل  شبكته و أسر الرجل و المرأة في  نسيج من حرير.. فهل هذا عيب أم أدب ؟
 أفتوني فأنا كما يبدو عقلي لم يعي بعد  و لا يزال صغير.
راقبت تلك المقالة بأعصاب متوترة. منذ الساعة الأولى لنشرها حصلت على 80 قارئ و 80 تعليق. بصراحة مت غيظاَ!! تمنيت لو أستحيل دب قطبي و أنام في  بيات شتوي و أرتاح مما كنت أشعر به من قهر و ظلم. كان من ضمن التعليقات تعليقات من قارئات إناث يمتدحن أسلوبها الذي قالين بأنه يساعد على إذابة الجليد بين المرأة و الرجل في اليمن والوطن العربي. الوطن العربي حتة واحدة؟؟ آه لو يعرفن أن ليس في اليمن كهرباء أصلاً لتجميد الماء و تحويله إلى جليد ، و أن الكهرباء في  اليمن لعبة سياسية من أقذر ما قد ورد من المكر السياسي. لكن ما علينا ،أرزاق !!اللهم  لك الحمد، اللهم لا ترضى لي أن أكون من الحاسدين. هل هي فعلا كاتبة مبدعة تكتب عن ما يهم الناس ،تنبض بنبضهم و أنا كاتبة معزولة أتكلم عن مومياء محنطة اسمها "أمي اليمن"؟؟ أنا لا أستحسن كتابات زميلتي هذه ، فهل أنت تجد كتاباتها جميلة حين تقول مثلاً
 ( عددتُ بأناملي  شعيرات صدرك و تدحرجت فوقه كبطريق يتقلب فوق جبال القطب الشمالي.) أين الأدب في هكذا كتابة؟ مجرد صور لصدر رجل و بطريق يتدحرج..ما هذا؟ أنني و الله أستحي من ذكر ما كتبت ، فقد كتبت مرة عن القبلة ، ألا يفترض أنها فتاة مسلمة و لم يقبلها أحد ؟  ألا ُتعد هكذا كتابات فاضحة أم تراني أنا التقليدية المتزمتة التي يجب أن توضع فوق رف في متحف للآثار ليغطي وجهي الغبار؟ وصل عدد قراء ذلك المقال ، يومها  فقط لـ 677يومها أحسست بلكمة قوية على أنفي جعلتني أصاب بالرعاف، و بصراحة بكيت لا بل أجهشت بالبكاء.
صارحت نفسي بأنني فاشلة سواء شئت أم أبيت. لا اكتب ما يهم الناس. أنا في وادي وحدي و غداَ أذوي و أموت مثل حمامة في الوادي. فوق رأسي سراج منير و من حولي مكبين على نفخ الجذوة كي تنطفئ ، مهما قاومت لسوف تنطفئ. لا يوجد يد تأخذ بيدي و ترشدني للطريق.حولي نيران مشتعلة من كل الجهات، و من أصابعي تقطر قطرات ماء.. فكيف قطرات تطفئ حريق؟
زميلتي تكتب بريشة و الريشة تدغدغ. أنا حاملة قلم و القلم يوخز أو كما قال الشاعر الرائع "أحمد مطر"  أنه رصاصة و دم، تهمة سافرة تمشي بلا قدم. زميلتي هي المرأة كما يريد لها مجتمعنا الشهواني أن تكون. فكيف لا يناصرونها؟ انهم يريدون المرأة وجه جميل و على وجه الدقة "جسد" و لا يريدونها لا فم، و لا عقل و لا يد ولا قلم!
لكن و إن كان القلم يوخز إلا أنني سأظل ظلك يا صديقي... فكن صديقي يا قلم حتى في هذا الزمن الذي صار فيه لا يصح غيه  إلا دغدغة الريش...و ليس الصحيح!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال