حفلة فريدة من نوعه
مما لا خلاف عليه ان الشعب – في هذه الحرب – هو الخاسر الأكبر ان لم يكن الخاسر الوحيد. طبعا اليمن كدولة ، ارض و وطن خسرت خسارة جمـة ، عظيمة لكنني ارصد الانسان. مثلا : المسئولين و الساسة لم يخسروا شيئا ُيذكر ، ربما فقط جاء شوية غبار على "برستيجهم" او جاءت زغطة لذاك " الهيلمان" المحيط بهم سابقا. فقد " تبهدلوا" في مواطن النزوح و اوكار الأوطان الكاذبة مهما ابتسمت. لكن على مستوى حياتهم اليومية، لم يختلف منهم لا مأكلهم و لا مشربهم، لا مسكنهم و لا ملبسهم ، يتعالجون في الخارج اذا مرضوا ، يرسلون ابناءهم للدراسة في الخارج ، يمتلكون العقارات و السيارات و تقتني نساءهم مزيدا من الذهب ، توردت خدودهم ، تزوجوا بالثانية و تحالفت الثانية مع الأولى لمنع الزواج بالثالثة. بلا حياء كأنما هي ليست حرب مدمرة بل مكنة للتفريخ و الازدهار! باختصار الحرب زادتهم ثراء و زادت ابدانهم سمنة. لا داعي للنكران. كم كان وزنك قبل الحرب وكم وزنك الان هاتوا ميزان! و هذا الكلام لا ينطبق فقط على من فروا الى السعودية او تركيا بل ينطبق كذلك على من تولوا المناصب هنا. من سمن اكثر ، الذي في الداخل ام الخارج؟ هاتوا الميزان! و الشعب انظر اليه ، لا يأكل ، و إن أكل لا يسمن ، ما يأكله اوصله لأنيميا ، شاحب هزيل... كم كان وزنه قبل الحرب؟ قليل اليس كذلك؟ وزنه الأن اقل...هاتوا الميزان! الشعب مات منه فلذات اكباد.. .فارق اهل واحباب... تدمرت منازل... اعتلت نفوس و خفت عقول... يعيش في ظلام و استثمروا حاجته للضوء لكي ينهبوه... تارة طاقة شمسية و مرات كهرباء تجارية ...
اشتركنا بالكهرباء التجارية بعد ان اتعبت ارواحنا الطاقة الشمسية – برغم كونها مجانية – بسبب انها تنطفئ مبكرا بالذات في ايام الشتاء و احتجاب الشمس خلف الغيوم. منينا انفسنا ان نرتاح.... صارت الراحة امنية. عقب دفع الاشتراك خمسة و عشرون الفا و بتكلفة مائة و خمسون ريالا للكيلو، و نحن بلا رواتب، انتظرنا عمال الشركة ان يمدوا خيوط الكهرباء الى بيتنا. اتصلت صديقة لي ، كانوا قد اوصلوا لها الكهرباء منذ اسبوع. ابلغتني انها ستقيم حفلا رائعا مع اغاني و رقص و أكل - و لو حرب - احتفالا بالكهرباء الطبيعية. هي ليست طبيعية يا صديقتي لو تفكرين. قالت لي :- " الله الله الله و النعمة. ضوء نطفئه نحن بيدنا حين نخلد للنوم ،نبرد الطعام في الثلاجة و معنا ثلج ، ثلج تخيلي ثللللج! متى ما رغبنا نشاهد تلفزيون ، نخلط العصائر دون ان نفكر بالشمس ، نغسل ثيابنا دون ان نقلق على انخفاض الطاقة الشمسية في الألواح . نفتح الباب دون ان نخرج ، نشحن الهواتف و اللابتوبات، تعالوا غدا عندي و كل واحدة ُتحضر معها تي شرت او مقرمة و مكواتها النائمة في سبات من سنين. امسحنها و تعالين. سنكوي ،سنغني و نرقص و نزغرد." انهت المكالمة لأن معها قائمة طويلة من اسماء المدعوات تريد دعوتهن الى حفلة المكوى. ذهبت يومها و معي قميص قطني مهمل لأنه صار كالمنديل الذي نستخدمه و نرميه للزبالة ! اخذت مكواة صغيرة. ذهبت و انا مسرورة . بعد ان اكتمل عددنا زودتنا بتوصيلات كهرباء و بدأت المكواة تسخن. لمستها بقاع يدي. رأيت صديقة كانت تجلس بجانبي تخفض حرارة مكواتها لئلا يحرق قميصها و عينيها تترقرق بالدموع. بدأنا نكوي. تعالت ضحكات و تنكيت . عندما اكملنا الكي ادمعنا جميعا و نحن نتبادل النظرات. بعضنا سال دمعه. ماذا فعلنا الان يا جماعة؟ صدق و لا تصدق ! لقد كوينا و باقي حين نعود الى منازلنا ان نعلق المكوى على شماعة. حسبنا الله و نعم الوكيل من هكذا حفلة.