لحظة يا كوكو!
غلبني الحزن هذه المرة ، و انا من لم يحدث ان جعلها أي حزن ُتغلب.
جلست القرفصاء على ارض غرفتي ، بكيت حتى خلت الدمع ماء حولي يرتفع، و رأيت في دمعي سمك يسبح! لا
ابالغ، في تعبيري لا اتحذلق، لا و لا حتى امزح!
إن لم يبك اليمني على حاله بعد سنة وثمانية أشهر من القصف و الحرب
الظالمة عليه ، بسبب قلة سأصفها بأنها قلة مراهقة فمن اذا يبكي حتى يشهق ؟ نحن اهل
اليمن ، بين كل الشعوب العربية التي قامت فوق رؤوسها حروب نحن الشعب المقصوف ،
الأفقر! بعد مصيبة الحرب ، جاءت مصيبة الحصار ، ثم اكمل ايقاف الرواتب ما نقص ، و آخر
المصائب الهابطة علينا هي هذا الوباء. وباء سيجرفنا إن انتشر.
من سوانا من سكان الكرة الأرضية يقبل الأمان قبلة وداع مليء الفم و
الخد و الوجه ، قبلة وداع هنيئة لأنها ابدية. من غيرنا في كل ليلة يضاجع الكآبة ،
فتنجب منا مخلوقات مقززة، قميئة، مكفهرة لأنها لا تفرح. مخلوقات مثل امها و ابوها
لا تفرح. لأننا ما عدنا نفرح. كيف بالله
نفرح و معظم اهل اليمن يتقاتلون بينهم البين ، وحولوا – لعنة الله عليهم – ارض
" السعيدة" الى بحيرة دماء تلوث خشبة مسرح. هي مؤامرة وكل من فيها يمثل
، يحفظ النص عن ظهر قلب و احيانا يتنكر.
غلبتني يا حزن ، و انا من لم يحدث في يوم ان ُتغلب. انا المتفاخرة
بتفاؤلي ، كأنما اجاهد به واقعي ، به اتقدم ، به اتصدى ، به اتسلح. غلبتني يا حزن
و انا المتشبثة بتلابيب البسمة الحلوة، المشرقة، المضيئة . اتحداها ان تقلع من
مطار فمي و الويل لها إن تبرح. انا القوية كالحجر ، انكسرت حين رأيت جبل عطان
الأبي ُيقصف ثم ُيشرخ و يتكسر. اما نحن فشعب – كما لا يخفى على احد – من دم و لحم
و قلب و عقل. فتمهل يا كوكو ، لا تزورنا الأن ولا تتعجل. العام الأول من الحرب مضى
، و ثمانية اشهر مرت من العام الثاني ، نراه يتمدد و يتوسع. لم ينتصر احد ، و لا
تصدقوا ان أي طرف – غيرنا نحن الشعب – كل لحظة ُيهزم. نتحسر على وطننا الذي نحبه.
نتحسر على وطننا الذي باعوه الأبالسة و بعض الأوطان مقدس ، و عند بعض الشعوب الوطن
ُيعبد. و نحن؟ هاتك ما بيع و هاتك ما شراء.... سوق و مزاد و ساسة نخاسة بل هم ادهى
وابرع. نحزن على صغارنا سيكبرون و لن يجدوا سوى حضن غربة يؤرقهم سواء خارج اليمن
او داخل اليمن ، لأنه ما عاد حضن وطن ، بل مستنقع محن. يجعلنا على ارواحنا الثمينة
و انفسنا النفيسة نتأسف.
ها هو يكاد يمضي العام الثاني. في هذه الحرب ، ذاك عميل لذاك ، و هذا
عميل لتلك و كلهم جشع و اناني. ها هو العام الثاني يمر رويدا ، و نتائج الحصار
تتجلى نتائجه. لا ادوية ، لا لقاحات ، كل
المنتجات مغشوشة مزورة ماعدا تلك الههههه السعودية! مفاوضات ؟ هدنة؟ ايقاف اطلاق
النار؟ نهاية الحرب؟ كل المفاوضات لا اسخف و لا اسفه ! من السفاهة! عام مر و في ختامه نعمل بلا رواتب ، و اذا صحنا
نريد رواتبنا يا ناس ! ازبدوا: -" اصاه !
يا داعشي ، يا مؤيد للعدوان يا مرتزق! " بينما في الحقيقة كل موظف يعمل بلا راتب ، يعمل
بلا كرامة. داخل كل بدن متحرك روح تحتضر و نفس ٌتزهق و مصير عائلة ُيرتهن.
نشتهي الحرب صفحة ُتطوى. نشتهي ذلك شهوة لا تضاهيها شهوة. نشتهي نضحك
في رحلة ذات صيف ، نلعب بالرمل ، نسبح! ممكن يا سعودي توقف الحرب ؟ ممكن تعترف بفشلك؟
ممكن ترحل عن سمانا ، لو تسمح؟
اما نحن في الداخل... فمن صاح جوعا او حاجة او مرض ، وقف له و تصدى
مائة الف منافق. يحكمون عليه بالتكميم ، و اذا تمادى حكموا عليه بقطع رأسه.
الله؟!
طيب من اين يأكل الناس يا ناس؟! خلق الله عباده انسان يأكل و ليس
انسان ُيؤكل!
لماذا نسكت؟ لسنا ممن يكدسون الأموال هضاب داخل دواوينهم لكي نسكت.
لسنا من يخبئون حتى الفلس خلف الوسادة و تحت كل مرزح. فلما نسكت؟ لسنا ممن اغتنوا
في الحرب ، ولا نالوا منصب ، فلما بالله نسكت؟ لسنا من المستفيدين من الحرب ، لسنا من الموردين
الخدود في الحرب ، لسنا ممن اثرتهم السوق السوداء ، فلما نسكت؟ قولوا لنا لما
تسكتون ونحن سنعمل مثلكم و نسكت. قولوا لنا كيف توفرون قوتكم و مثلكم سنعمل. اسكتوا
صراخ بطون صغارنا ونحن سنقبل بكم نرضخ.
فجأة نسمع طرق ملح على الباب ، قالوا انه الوباء سيجرفنا إن دخل.
تعالوا يا شعب اليمن ندفع الباب دونه لأنه إن دخل سيجتاحنا. قالوا ان الطارق بعد
حمى الضنك ، و بعد انفلونزا الطيور الأن هو الكوليرا. انه الكوليرا اتى الينا بعد ضعف الحال و بعد
الهزال ، جاء ليقطف ثماره منا.
كلمته من خلف الباب ، و انا ارتعد خوفا ، انا و اهلي و اصحابي و
جيراني و كل اليمنيين في الداخل ندفع دونه الباب. انتظر يا كوكو، لحظة يا كوكو.
تمهل يا كوكو ، راجع نفسك وفكر
. نحن شعب ما عاد فيه رمق. سرق اللصوص اولاد الحرام ما فوقنا ، وما
تحتنا و حتى العافية والله ُسرقت و الهواء حاولوا تعبئته في اكياس لكنه رفض ان
ُيسرق. نحن اناس من لم يمت منا قصفا، فانه من حَر حاجته احترق. نحن من دفنونا
احياء قوادين الساسة ، و كل " السرق".
لحظة يا كوكو. تمهل ابلع ريقي لأكلمك. انت لا تعي أي ارض ستجتاح.
ستجتاح ارض ليس لها لمواجهتك شاشة و لا درع و لا حتى كفوف تجتمع لتصدك. انك على باب اليمن ، التي يقصفها منذ عام و نصف
و اكثر العرب. بئس ما توحدتم عليه و قبح الله تجمعكم لضرب ام و اب و اصل العرب. لحظة
يا كوكو،
اما اذا كان امر الله يا كوكو ، فادخل لكن ارحم و اشفق. اجبني قبل ان
تترجل : هل هو منطقي ان تجتاح بالموت من في كل ساعة ستون مرة ُيقتل؟ لمن نشتكي الا
اليك يا ربنا... اما القاضي فهو لا يعي ، لا يرى،
لا يفهم ، بل لا يسمع! بعد قتلنا قصفا ، قتلونا حصارا ، ثم قتلونا فقرا ،
والان يقتلوننا بهذا الوباء قتل لا اقبح منه و لا اسرع.
امانة يا كوكو ، لا تأتينا اجتياح ، لا تقبل الينا و لا تهرع. عندنا
ما يكفينا يا كوكو ، نريد سماع طبول رحمتك و غيثك يا ارحم الراحمين ٌتقرع. استدر و
عد يا كوكو ادراجك عن اليمن قبل ان تقصفك الطائرات و اهرب. ارحل قبل ان يعصرونك
جوعا ، يجعلونك تتسول راتبك ، انفذ بجلدك، اهرب.
اكتب كلماتي هذه و لأول مرة في حياتي ، ارى الورق مبلل لأن قلمي نفسه
يدمع.