هيا بنا نحزن.





مريح حد الرواق  أن تتركنا الدنيا و سكانها – من المتفرجين علينا – نركن الى الحزن. الحزن لا يستوجب لا جهد و لا تصرف. انه محتوى الفاشلين. انه اسكات كل شيء فينا. ترخص كل القيم امامنا، تتناقص غلاوة احبابنا ، تعطينا ظهرها اهتماماتنا... تتقزم رؤوس الكرامة و الكبرياء بداخلنا. خلاص، في الحرب لا شيء يهم ، ابتداء من البيت الذي قد ُيدمر و انتهاء بالأرواح !
تفيض دموع الحزن من مآقينا. كيف لا؟ لقد فقدنا اليمن.... اليمن يا ناس اليمن. مش سيارة و لا خاتم ذهب و لا موبايل و لا عمارة و لا حتى عزيز علينا! نحن ناس بتنا ننام فقط لُنقصف! لا نملك لمواجهتهم نبلة... السعودية العدوة ، هيا بنا نفهم ، هيا بنا نسمي الأشياء بمسمياتها، السعودية العدوة لديها: طائرات حربية  حديثة و صواريخ مدمرة و نحن لنا من بعد الله ، جند حفاة يمشون سير على الأقدام متخفيين بورق الأشجار...لكنهم تحت الطائرة نملة. اعدائنا مال و بترول و تكنولوجيا.... و نحن الله معنا لكننا نحاربهم بحصى صغير و ربلة! فمن عساه ينتصر ، بالمنطق كذا و بالفطرة؟ الجواب معروف.... لا أريد ان اسمع ، لأنه ُيصعب على المرء ان يحيا بلا أمله ! يقتل جيشنا جندي سعودي واحد على الحدود و خلال سبع دقائق تأتي الطائرات السعودية لتأخذ بثأرها فتقصف في سبع طلعات بمعدل طلعه كل دقيقة ، تقتل و تدمر و يتم اسعاف الجرحى بالعشرات... و الخسائر دماء و الخسائر مباني. اين الجندي الذي قتلتموه في الحدود... اعيدوه الى الحياة ، و الغلط مردود ! انه لا يسوى الثمن الذي دفعناه. اتركونا يا متحاربين نعيش... عندي شعور قوي انني فقدت وزني كله ، و انني اصبحت جلد على هيكل عظمي ! عندي شعور بأنني اصبحت شديدة النحول لا بل هزيلة. اذا سمعت الريح تهب و انا داخل بيتي امسكت بكلتا يدي بساعدي خشية ان اتمايل يمين و شمال. اذا رأيت الرياح و انا في الشارع  تطير الأكياس و القمامة استندت الى أقرب جدار او شجرة لأنني اخاف ان تطيرني انا الأخرى! اغمض عيني وقت الرياح برعب شديد ، لأنني اتخيلها كيف سترفعني الى السماء فأخاف ان اصطدم بطائرة حربية من طائرات الجارة العدوة و اذا طرحتني الرياح ارض خفت ان ارتطم بجموع مسلحة من بنو لحمي ودمي و رصاصهم المتطايرة. اين اختبئ اين؟ بمن يحتمي الشعب اليمني كله و اين يروح؟
اركض الى بيتي ، و اقف على الميزان فأقرأ من الرقم انني لم افقد الا كيلو لا  ُيلحظ. اذن ؟ما سبب شعوري انني نحيلة جدا وضعيفة جدا ، وان كل ملابسي واسعة وانني اشابه اشكال مجاعات افريقيا؟  وزني لم ينقص الا قليلا، فلماذا اشعر انني و خيال المآتة سواء؟  قتلونا جيراننا أحياء! لماذا يا الهنا لم تنزل عليهم غضبك ؟ رد كيدهم في نحرهم ، انجدنا منهم يا رب السماء.
عندي شعور انني حزينة. احاول ان اسقي بذور التفاؤل و الفرح من حولي ، و ادفع بكلتا يداي التشاؤم و الاحباط للخلف در و اسجنهما في خزينة. سأرمي مفتاحها الى الأعلى ، خذه مني يا ربي و حوله بقدرتك الى مفتاحا للفرج.  
عندي شعور انني خائفة من ان ُاقصف انا و اهل بيتي و نحن نيام. اخاف ان اموت و انا نائمة. سأموت دون ان ادري! فلا اري اهلي ، و لا احبابي ، و لا ارى ثانية لا بيتي و لا وطني. اكاد ارى روحي وشاح ابيض مثل الأشباح ،يبحث بين الركام عن اشلائي. حب الوطن شيء غريب لا يوصف. مهما عانينا و قاسينا منه لكنه يحتل كل ما فينا. لو هربت منه و طلعت القمر ، سأجده يستقبلني ، فوق ارض القمر يقف اليمن. لو انشغلت عنه بالورق و العمل و القلم.... اجد كل سطر يفتح لي احضانه لأكتب عن اليمن. ما اليمن؟ انها كالدم يسري في اوردتنا... لم نختار اليمن وطن ، و لا هي بلدة ازدهرنا على اراضيها، و مع ذلك نعشقها و نقبل ترابها و اذا نمنا في غيابنا عنها زارتنا في المنام برائحة تربتها بعد المطر تنعشنا و تحيينا. شعور مخيف هو الشعور اننا ُندفع قسريا الى نفق الفقر ، سكة الذي اذا راح لا يرجع! اتركينا يا جارتنا نعيش ، لا قدرتم – حسب زعمكم - تساعدونا و لا انتم انسحبتم و تركتمونا. للأمانة لم ار اوسخ من حرب السعودية على جارتها اليمن ، لا و لن اسمع!
نحن اليمنيين لسنا كلنا جهلة و لا كلنا جموع مسلحة. منا المستنيرين كثييير و ندرك تماما ان ما يحدث في الوطن العربي مؤامرة غربية. نستوعب ان المخطط سيتم تنفيذه عبر ايادي عميلة و فوق الجثث المتناثرة. لكن عتبنا على من باع ضميره و باع وطنه بثمن رخيص. عتبنا عليهم ، لأن لولاهم لما نجح الغريب في توريطنا في حرب.
عندي شعور اننا لا حول لنا و لا قوة. ليس من ضعف منا ، ولكن من ايماننا ان اقدار الاوطان العربية في هذا العصر ان تسقط الواحدة تلو الاخرى في هذه الهوة. مهما كنا نفهم ما يحدث لكن المخطط سيتم ، و الله بإذنه سينجدنا لأن الله ارحم.
للأسف بتنا قضية " ميؤوس  منها ، لا احد يفكر فينا. لا احد يحاول ان يفرحنا او يضحكنا ،او يجبر خواطرنا المكسورة. لا احد يحاول التخفيف عنا مصابنا الجلل فقد فقدنا يا ناس اليمن ، و كرامتها فوق كل اراضيها مهدورة. على من نكذب انا فعلنا و فعلنا و فعلنا.... ماذا فعلنا؟ لم نستطع مجرد تكدير صفو السعودية المغرورة. لا احد يحاول اخراجنا في نزهة، او مرافقتنا للتسوق ، او وردة يهدينا. لا احد يدعونا لوجبة في مطعم ، ولا احد يدعونا للدراسة و الجد و الاجتهاد. باختصار نحن شعب ينتظر العالم متى يموت.
حزني ليس بسبب الحرب ، فلا يوجد حرب في هذه الدنيا لا يأتي عليها يوم و تنتهي لكنه حزن على ما حل بالبلاد و كم تغير العباد.  الفتنة باتت ملكة ، كل الناس يتوددوا لها بإضرام نيرانها و ينفخوا من فوق جمرها الرماد. الناس تشتتوا. لكل منا اقارب اما ماتوا ، او نزحوا و سجلوا انفسهم غياب. يا من تسببتم بهذه النكبة على اليمن ،ماذا استفدنا منكم ، و أي نصر فيما فعلتم؟ على ارضنا مليون مسيلمة الكذاب. فهموني ان كنتم فهمتم. حتى الجرعة التي ضيعتم اليمن من اجلها تضاعفت اضعاف مضاعفة فماذا انجزتم؟ فهموني ان فهمتم. انتم فعلا تحاربون ، و ُتقتلون ، لا احد ينكر ذلك. لكنني اعد قتالكم تكفير عن ذنب ادخال اليمن في حرب.... و هو للأمانة ذنبكم. ربي ... اوهبنا الصبر و من علينا بالفرج... انت وحدك الوهاب.
سلوى الارياني


أحدث أقدم

نموذج الاتصال