لا اقول ما سأقول، او لن اكتب ما سأكتبه بغرض التجريح او الاهانة او
حتى الاحراج. لا والله! لن اكتب ما سأكتبه بسبب ضعف الوطنية ، او خيانة للوطن فالوطن ترابه رفاة الأجداد. حاشى و كلا! لكن
دعوني اسأل بصراحة و اريد ان تجاوبوا انفسكم بصدق، الا تتحرجون ( اذا كنتم من
المقيمين في اليمن) حين تسألون انفسكم أين تقيمون؟ و تأتيك الاجابة : في اليمن! هل
تقيم فعلا في اليمن التي تعرفها ، و اعرفها و نعرفها كلنا و يعرفها العالم ، بلد
فقير لكن آمن و سعيد ام انك تتلوى من لسعات صفعات واقع اليم؟ لنكن صرحاء مع انفسنا
و لنواجه تخاذلنا و ضعفنا. نحن اضعنا اليمن بأنفسنا و لم يتجمع حولنا الوحوش الا
بعد ان نحرنا اليمن و اسقطنا ارضا جثتها . نحن لا غيرنا. لنكن واقعيين و لنعترف
بجرمنا و بالغفلة التي سرقت انتباهنا منا. قد ترجع العراق يوما ما ، و قد تضمد
جراحها و تتعافى سورية ، و قد تفيق من خدرها ليبيا اما نحن فلم نعي ما نشاهد ، و
اقتفينا اثر الاغبياء. بدلا من منع ما حصل من الحصول.
لنقل الصدق و لو لمرة في نهاية الفيلم ، فيلم اليمن ، لنقل الصدق بما
انه باقي دقائق و يموت البطل. كنا نقيم في بلد لا فيه مستشفى ، و لا شارع، و لا
مدرسة و لا مبنى مبني بشكل قوي وسليم. بلد نخر الفساد و الرشوة منه العظم و الدم و
اللحم. نحن شعب لم يكن لدينا كهرباء ، كنا فقراء على حد تعبير المصريين مش لائيين
نأكل و لكن في عزة انفسنا اثرياء، اثرياء . فجأة! و اكرر فجأة، اغتنينا وابتعنا
الأسلحة و استبسلنا نسفك دم بعضنا البعض و نقاتل. من اشترى لك الآلي و انت كنت
بتدور قيمة الرغيف يا مقاتل؟ يا للخزي ، يا للعار.... قتلتم الاطفال و النساء ،
صوبتم قذائف صوب الملائكة وتركتموهم يمرحون المدججين بالسلاح العساكر!
انت يمني ؟انتِ يمنية؟ اذن انت و بكل جدارة ابو كل المساكين. انت مسكين و جيرانك مساكين. شباب بلادك مساكين
، زملاؤك في الدراسة او العمل واسرتك كلها مسكينة. قبيلتك ترحم الله ، شيخك مسكين
سيدك مسكين و حتى طاغوتك مسكين. كل من حولك مسكين ، الثري و الفقير ، النبيل و
المنحط ، كل البنات و الناس و الاولاد وانا و انت. باختصار بلاد كل ما فيها مسكين.
لست ادري لما اتذكر بكل قوة المثل القائل " المسكين سكين." سؤال محرج حين تسأل نفسك أين تقيم ، و تأتي
الاجابة : في اليمن. هل لازالت اليمن صالحة لعيش بشر؟ يحقق معي صوت :-" انت
تقيمين فوق ارضها و سقفك سماءها فلا تتنصلين." اجبت و انا اتمرغ فوق سفوحها،
واتأرجح من فرع الى فرع في اعلى اشجارها :-" من تلك المتنصلة ؟ انها ليست
انا!" واصل الصوت التحقيق معي :- " تحبينها ؟ تحبين اليمن؟" خنقتني
العبرة لكنني تمتمت :- " الحب لا يوفي حجم شعوري نحوها. انه شعور عظيم مقدس ، لن يفارقني الا حين تفارق
روحي هذا البدن. طبعا احب اليمن ، و نعم لليمن الف مليون بليون نعم" وقفت
اتلفت حولي. اليمن اليوم ليست مثل اليمن بالأمس. هذه التي نحيا فيها لا تشبه تلك
اليمن ، أريد ان اسأل بعلو صوتي : أين اليمن؟ أين اليمن؟ أين اليمن؟ يحلو لي أن
أتذكر و بعض ذكرى ثمنها اغلى من الذهب. انا من اليمن. البلد الذي اشتهر في انصع
صفحات التاريخ ان رجاله علموا الرجال الرجولة منذ الأزل. فماذا كسحهم و ماذا حصل؟
انا من اليمن مهد الحضارات ، حيث شع نور الاسلام حيث النصر ُيسحب بالقوة الى ابواب
اليمن هاتفا النصر وصل!
انا من اليمن نافورة الحضارات كلها. حيث شع نور الاسلام و انتشر في
ارجاء الدنيا بأسرها. انا من بلاد الملكة أروى ، بلقيس و مملكة سبأ. اليمنيين مسلمين
منذ القدم ، لم يعرفوا مذاهب و لا طوائف ولا قاربتهم فتن. وصفها الله جل جلاله في
القرآن ب: بلدة طيبة و رب غفور. انا من اليمن، بلاد المدرجات الجبلية الخضراء ،
بلاد العنب و البن .انا من بلد الفقير فيه وهبه الله تاج من عزة النفس و الكرامة ،
و بلد الفقير فيه سخي، كريم فوق الوصف.
انا من بلد شاركه لقمته التخلف و غمست معه الرجعية و مع ذلك لم يفارقه الأمل. بكد اجتهد
، و بمثابرة عمل من اجل غد افضل ، بيمن اقوى و اكثر حرية، و اكثر رقيا و اغنى
واجمل. انا من بلد يحتضن صنعاء القديمة و
قصور حضرموت ، و صنعاء القديمة احدى اساطير العالم. انا من اليمن. انا من بلد طقسه ليس له مثيل. شمس و مطر ،
شتاء و حرارة شمس ، و في الصباح الباكر نسيم عليل. انا من بلد البسطاء فيه يجيرون
المستجير ، يغيثون الملهوف و لكن عند حاجتهم يختبئون و يحترفون التمثيل فلا ينكشف
عوزهم امام احد. انا من اليمن.
في بداية العام الثاني من عمر الحرب الكلبة بنت الكلب هذه، اريد ان
اقف لا دقيقة صمت على ارواح الشهداء فمن مات شهيدا هو عند الرحمن من الاحياء ، مات
فأرتاح بدلا من رؤية اليمن ُتدمر امام عينيه و ُتنفض أرضها و ُترج السماء. لنقف
كلنا بلا استثناء ، حتى الحيوانات فلتقف ، و الطيور فلتقف ، و ليس لدقيقة بل لألف
عام . نقف صامتين خزيا و عارا لأننا تفرجنا و سكتنا ، لا ثرنا و لا حتى اذعنا
اعتراض في نبأ هام! لمصلحة من كانت هذه
الحرب ، لمن؟ لنعترف لبعضنا البعض ، و لتنهيدات حسرتنا المتأخرة اننا يا جماعة
تفرجنا طويلا و صمتنا صمتا ذليلا. انشغلنا بتفاصيل تافهة هي تفاصيل الحياة
الروتينية. الكهرباء، الاولاد، المأكل، المشرب، الماديات، القات ، الثياب،
التلفزيون ، الغلاء .... ليست والله تفاصيل تافهة من قال؟ لكن كان اهم منها كلها
البركان في احشاء اليمن يعتمل ، و النار الغاضبة التي كانت تحتاج من يطفئها. للأسف
لم ينفخ احد لإطفائها ، فاستعرت اكثر و عندئذ لطمنا خدودنا ، و رحنا و جينا نسأل
بعضنا البعض : كيف العمل، كيف العمل؟ اذا
كنا نحن حمير ، تفرجنا و تجاهلنا ، طيب أريد ان افهم كيف ابناءها القتلة المجرمون
طاوعهم قلبهم و هكذا قطعوها؟ في حد في الدنيا ينتهك " شرف" هو اصلا شرفه و العرض؟ ما
الشرف في ُعرفكم، و هل يجوز في تقاليدكم ان ُينتهك العرض؟ انا فعلا لا افهم هذه
النقطة ، ثم اقنعت نفسي انه ليس ضروريا ان افهم ، لأنكم بالقوة تفعلون ما
تشاءون.... فكيف اشترط الفهم في عهدكم ، و حياة الانسان بكلها عندكم لا ُتشكل شرط!
يا حزني العميق يا أهل اليمن ، بأي عذر غفلنا عن حراسة اليمن و لماذا غضينا البصر؟
ربي.... اضاعوا منا اليمن. نحاول ان نحيا كالمعتاد نأكل و نشرب و لو و الحرب في
اليمن ، فيصعب علينا الهضم.
صعب نسيان حرب عندما تكون حرب على الوطن. ينسى مريض الزهايمر اسمه ،
اسم اصدقاءه، اسماء اولاده لكنه محال ان ينسى الأم. فلماذا نحن و بلا زهايمر نسينا
الأم؟ أي عذر هو عذر اقبح من ذنب.
اليوم اخاف الكتابة ، اتلثم و ارتدي قفازين و امسك بيد راجفة القلم.
في الزوايا كاميرات تجسس، خلف كل شجرة مخبر ،تحت كل قمامة آلة تسجيل، ترصد اللفظ و
تلقي في زنزانة كل قطرة دم.
فكيف اقوى على الكتابة بعد الأن... و من سيقرأ لي و لمن سأكتب لمن؟؟؟
سلوى الارياني