( قصة كتبتها في بداية الثورة اليمنية التي تم الانقضاض عليها عن طريق الإنضمام إليها من قبل الجبابرة الدهاة الذين اساسا قامت الثورة ضدهم. و رفضت كل المواقع التي تنشر قصصي فور إرسالها ، أن تنشر لي هذه القصة!)
ليلى يا طفلة الحرية.... يا أملنا في مستقبلنا، يا برعم نمى ليلا بين أحراش البرية. ذهبت لزيارة جدتك المريضة في الغابة، و الغابة ملغمة بالذئاب و أنت عزلا فلا تذهبي يا غبية، لا قنبلة في يدك مختبئة و لا ظهرك الرقيق يحمل بندقية.
يا ليلى يا طفلة صغيرة ، بريئة كيف تذهبين لزيارة جدتك المريضة و تحملين سلتك المليئة بالفواكه و تمشين بكل أمان و حسن نية؟ ترفعين كرانيش ثوبك البنفسجي و تثنيها ، تترنمين بأغنية. هنيئة الدنيا و أيامها تنهمر منها النكات و التسلية. تغطين شعرك الأسود بقبعة معطفك الأحمر، الشمس تتخلل فروع الشجر فتحمر خدودك الوردية. ربما أنت يا ليلى مسكينة و معذورة، لا علمك أهلك الخوف من الآخرين و لا التشكيك في ابتسامات الآخرين الصفراء و لا كيف تتأهبين لهجمة الأنياب و المخالب التي تسيل دماء. لم يعلمك أهلك أن تضغطي زناد و لا أن تدخلي طلقة رصاص في فوهة بندقية و لا حتى أن تشتمين رائحة الذئاب أو سلالتهم من البشر أصحاب القلوب الحديد و العقول الحجرية.
لا تعرفينهم و لا تميزينهم بل لعل ليس في علمك يا طفلة الحرية أن في الدنيا ذئاب...و ليست الدنيا كما علمك أهلك، و ما أطهر عقليتهم ، أن في الدنيا "فقط" زهور ، فراولة ، فراشات،و حمام يحلق في الآفاق السماوية.
كيف يا ليلى تتوجهين إلى كوخ جدتك. تطرقين الباب و تدخلين دون أن تستغربي لماذا ُترك الباب مفتوحا؟ لا تستغربين يا بريئة لأنك ببساطة لا توصدين الأبواب و لا تعرفين أن هناك من يغلق الأبواب بالأقفال الحديدية. كيف يا ليلى تدخلين الكوخ فتجدين منظر جدتك في فراشها مريبا،مخيفا فلا يساورك شك و لا تفزعين و لا تتراجعين خطوات للخلف و لا تكبين على وجهك يا نقيه، يا بريئة، بل و لا حتى يلفت نظرك الأنياب في زوايا الابتسامة ، بدلا من لثتها اللبنية؟ ...للأسف يا ليلى كنت غبية...كنت غبية.
يا ليلى.......ألتهم الذئب جدتك و هي جدتنا جميعاً، ننتمي إليها جميعاً، فلا تتركيه يلتهمك أنت أيضاً مثلما ينهشنا نحن ايضاً يا نور عيني. يعز علي أن تكوني ضحية، كوني متيقظة ،نبيهة و ذكية. يا ليلى الذئب ألتهم جدتنا الحبيبة و أمتد في فراشها. انظري عيناه تشع حقد،شر و غل. كانت عينا جدتنا تنهمر شلالات طيبة و حنان. تأملي يداه المليئتين بالشعر،كانت يدا جدتنا لمسة رحمة و إذا ربتت على وجنتيك كانت بلسم بل كانت لمسة شفاء سحرية. كانت حكاياتها تجعل النوم ينهمر من يقظتنا فننام و نحلم أحلاما عسلية،الذئب يا ليلى يا جيلنا الجديد، أمتص منا، نحن، آبائك و أمهاتك العزم و القوى، أعجزنا حتى عن الضحك و القهقهة...الذئب صادر منا الإرادة ...انظري إلينا جيل فاشل، يفشل إن خطط ، يدوخ إن نوى!
يا ليلى..... سأقطع عليك سيرك و اقفز من خلف الشجر فلا تفزعي.سأهمس في إذنك: يا ليلى لا تتعجلين بزيارة جدتك...فهي ما عادت مريضة بل في بطن الذئب محاصره مثل أي جارية مسبيه. تعالي عندي يا ليلى ، قلبي يؤلمني لحالها، تعالي نتكلم و نخطط،، تعالي نفكر في حلول، تعالي نرسم أحلام، نحلق...و نحقق.. لا تخافي، لا تعظي شفتيك، لا تفزعي.فلا أنت و جيلك تنقصكم الأذرع ، لا قدرتكم مشلولة و جباهكم لا تزال مرتفعة و ليست محنية. يكفي نحن جيل آبائك و أمهاتك نمنا كثيرا يا ليلى، فامسحوا من أعينكم و انفضوا الرقاد، يكفي طموحنا نحن ، جيل آبائك و أمهاتك، داخل الأدراج أوراقا بالية ،مثنية..و الذئاب يتحكمون في الغابة . استعمروا حتى أعشاش الطيور، احتكروا أصوات البلابل و حولوها إلى ببغاوات، احتجزوا البحيرات و حولوها إلى مسابح شخصية، بسطوا علي الشجر قالوا أنها مظلتهم تقيهم حرارة الشمس ، خزنوا في مخازنهم الفواكه...لم تترك الذئاب و لا قصة حب إلا و اغتصبوها، و لا خيط تسلل من بين الأشجار يغزل جدائل الأمل و الطموح و النجاح إلا ولفوا به أعناق كلابهم، لم تترك الذئاب سوى من تخشى شره...
فتعلمي أن تكوني شريرة يا ليلى يا طفلة الحرية.
غدا تكبرين، و تصبحين صبية. هذه البراءة و حسن النية لن يقيانك شر البرية فتعلمي يا ليلى... تعلمي التخطيط و كيف تنتزعين حقك من بين عيني الوحوش، تعلمي يا ليلى أمنتك أمانة أن تفعلي، عار علينا أن لا نعلمكم دروس ذقناها من تجارب السلبية، إن لم يكن من أجلك فمن أجل الأجيال القادمة....تلك الأجنة النابضة في أحشاء الأمهات و ما أن تولد حتى يوارونها بسرعة بأكفان الجهل الأمية. لعنة الله عليهم، لعنة الله عليهم، ألف لعنة على من يسكت لهم..ألف لعنة على هذا الرجل الساكت...و هذه المرأة الصامتة... ألف لعنة على أنا ، على عيني التي ترى و هذه المطبقتين، شفتي!!!!! قالوا اللاعن خارج من رحمة الله... فماذا أفعل؟ إذا كان الجميع مخبئا رأسه خلف كفيه ، نلهي نحن جيل الخذلان بحشو الخدود،و بالتكاثر و التفاخر بالذرية، دون أن ندعم تلك الذرية،دون أن نحصنها بالعلم و الإيمان،لا نقومها و لا نقيمها، و لا نصححها و لا نحبها ولا نعينها لا نعتني بها و لا نسند ظهرها... فقط نتفاخر بأعداد الذرية!! تبا لجيلنا ما أذلة بين الأمم الضعيفة و القوية.
المهم يا ليلى... ماذا كنت أقول لكِ، يا طفلة الحرية؟ كنت أبلغك ألا تذهبي لزيارة جدتك، لأن الذئب يا ويلك قد أفترسها! فإذا زرتها ألتهمك أنت أيضاً ، و قبعتين الاثنتين في بطنه سوية!
يا ليلى نحن أملنا فيك، يا جيلنا الجديد.... تفهمي و استوعبي ذلك يا ليلى. نحن أجيال من الحرمان و العطش و الظلم و إن أدعينا غير ذلك فكاذبين! نحن أجيال من الكبت والعيب و الجبن...و إن أدعينا الدراية ، الارتواء و الحكمة فكاذبين، نحن أكبر منك في العمر صحيح، لكن تالفة عزيمتنا ، محتارة بصيرتنا، خائرة قوانا و أفكارنا مخصيه! نحن لا لون لنا و لا طعم...لم نقدم لم نؤخر..جبناء و ليس لنا سوى الهمزة من" كلمة" الأهمية. لذا أملنا فيك... يا ليلى يا طفلة الحرية . انفذي بجلدك و اهربي منا...نحن قوم لا عمل لنا سوى أن ننتقد، نهدم،نتباكى، نتشاكى، نمضغ الآخرون ونبصق في سيرتهم...و ها نحن بين أطلال التاريخ قوافل نمل سائرة في نظام و لكنها منسية! لذا أملنا فيك يا ليلى يا طفلة الحرية. تعالي يا ليلى، سأنصحك ماذا تفعلين غير أنني أنصح و لم أنفذ يوما الخطط الوهمية! أما أنت فصبية، تتوهجين شباب ، طموح، عزم حتى إرادتك قوية!!!
اشتدت قبضة ليلى على السلة، توسعت حدقتا عيناها العسليتان، هتفت: "جدتي أكلها الذئب؟!"
أشفقت حزنها ، و واسيتها:" و أن لم نفعل، أقصد إن لم تفعلوا أنتم الجيل الجديد، شيئاً يا ليلى فانه غداً سيلتهم البقية."
ردت ليلى: "حسناً، اسبقيني إلى كوخك و سوف ألحق بك.
أنا طالما تمنيت أن أصطاد سحب الفرح في السماء. منذ ولادتي امسك النبال و أحاول قنصها بحبيبات الحصى. لعب أطفال ليس إلا... لعب أطفال.تلك السحب الناصعة البياض، الشاردة منا على أطراف أصابعها العارية، هربا من ظلمة الليل الحالكة. كنت أحلم أن أصيب إحدى سحب الفرح فتسقط أمامي على الأرض فأستبقيها بين يدي قليلاً، أو أبقى أنا في حضنها لبعض الأيام. حلم طفلة...و للأطفال أحلام. قدري أن ترفض إعطائي برهة لأترجاها أن تبقى معي و لو قليلا. بل هي تزيحني من طريقها لتستكمل المسير...تبعدني لكي لا يخربش كعب رجلي الخشن سجادها الحرير. تحمل بين طياتها حقائب ، فأبكي جاثية على ركبي، أنتحب على ركبها هي، أتوسلها أن تأخذني معها، فتفجعني بالخبر و هو أنها ليست مسافرة فحسب بل هي مهاجرة. تهمس في إذني أن من يلحق بأسرابها هي أسراب الطيور المرفرفة لا السفن الحديد الراسية." قالت ليلى هذا و ذهبت و توجهت أنا لكوخي لأنتظرها.
تركتها و مشيت بحذر،على أطراف أصابعي خشية أن يسمع الذئب تكسر أوراق الشجر اليابسة تحت قدمي أو أن يشتم رائحة النعاج الخائفة. دخلت كوخي أنتظر ليلى. احترت، عندما تأتي ليلى بماذا سأنصحها؟؟ هل أنصحها بالعلم؟ بالعلم تحارب ليلى الذئب..لكن كيف و الذئب يلعق دماء المتعلمين...و يراهم دماء تقطر من أسنانه. لا لن أنصحها بالعلم.
هل أنصحها أن تهجر الغابة تنهار أشجارها على رأس الذئب و الأسد و النمر و كل جوقته...و تفر لتعيش في غابات الغير؟ أن هي إلا حياة واحدة التي نحياها..و حرام أن نتركها للذئب يتسلى بها تسلية. قد تحيى ليلى في غابات الغير و تنجح و تسعد و تفخر.....مشاعر لا نسترجعها في غابتنا...إلا كنوع من التراث و الآثار المهملة. بماذا أنصح ليلى؟
تلك البنت الشقية... لا لشيء إلا لكونها ولدت يمنية!
بماذا أنصحها؟ أأنصحها أن تحارب بالأيدي و السلاح الذئب؟ و هل يغلب ريش الحمام أنياب الذئب و مخالبه القوية؟ لن تنصت إلى ليلى، فهي واعية، و منطقية. الذئب دائماً أقوى، شئنا أم أبينا. يا ليلى، بالقوة يأخذ ما يشاء و يعطى ما يشاء لمن يشاء!! يعلم الناس تقديسه و يلقنهم العبودية! يشرد الشرفاء يتسكعون في الشوارع لا يذكرون أسماء أبائهم ولا عناوينهم، أنساهم معنى كلمة " هوية". يمجد من هم مثله،الوحوش الضارية، فيقلدهم الأوسمة، يمنحهم جوازات سفر و حصانة دبلوماسية. بأي حق؟ بلا أي حق والله، سوى انه أراد ذلك . و أي تساؤلات، اعتراضات أو نقاشات ُتدفن و هي حية. فكيف أنصحها بمحاربة الذئب؟ كيف ستصدقني و هي عملية و واقعية. كلا لابد من نصائح أخرى! سأقل لها أكبري سريعاً يا ليلى و ضعي الذئب نصب عينيك. مرحى لكِي إن استطعت أن تأسريه. ألف طوبى و ألف تاريخ خلود إذا جرعتيه مما يسقينا و جعلتِ منه و لو لمرة واحدة "ضحية". كانت كل هذه الأفكار تدور في رأسي حين سمعت طرق على الباب. ركضت لأفتح فوجدت ليلى أمامي. وجهها مضيء، عيناها عسليتان، ردائها أحمر و ابتسامتها نقية. كانت تخبئ خلف ظهرها يديها. سألتها :" أين سلتك؟" فلم ترد... سمعت أنفاسها ، مدت يدها أمامي فقفزت بهلع. كانت تمسك برأس الذئب. تمسك أذنيه و الدماء تقطر من عنقه المذبوح. غطيت فمي بيدي بجزع ،هامسة:"نحن لا نحب الدماء يا ليلى!!"
أجابت: " الذئب أختار و ليس أنا هذه النهاية المأساوية. أكل جدتي العجوز ،نبع الطيبة، فقطعت عنقه، ستعم الفوضى الغابة أنا أعلم.... لكن عندما تطوى الصفحة، سوف يقول أبناء الغابة أنني من خلصهم....سيهتفون: ليلى من حرر العبيد ،ليلى من أنقذنا من الكفر...إنها هي،الجيل الجديد، أملنا في الحرية