أكياس علاقيات، ليس إلا.....
أذهب لأشتري علاقي
قات ، أركب المواصلات و اصعد إلى أعلى جبل عصر. أجلس فوق جبل عصر و أطل
على مدينة صنعاء. أخزن ، أفكر ، أتنهد...حتى ينتهي القات و أعود أدراجي و
همومي كالنسانيس تتنطط أمامي لتذكرني بأني لم أحل أيا منها. أرى في وجوه
النسانيس مشاكلي، وظيفة، زوجة، بيت،استقرار، طموح. كلها نسانيس!!! فأصافحها
بحزن و أعود إلى بيتي. لا أنسى بعد أن أقضي على آخر ورقة أن أطير الكيس
المسكين في الجو... مسكينة أكياسي كلها لا تحوي إلا قليل من القات، أحيانا
حبة بصل و حبتين طماطم، أحيانا ربع ك سكر، و في بعض المواقف قليل من صابون
الثياب. مسكينة أكياسي لم تحوي يوما لا ذهب و لا ثياب فاخرة و لا عطور
ساحرة و لا طعام لذيذ...و لا مال كثير. تأملت كيسي يعلو و ينخفض، مسكين و
أنا مثله مسكين. مثلي لا يعرف سوى القليل بداخلة، و لا يعرف أن يحمل أهداف و
مكاسب كثيرة...مثلي تائه مشرد يتلمس بأصابعه مصيره. مثلي يحمل بداخلة ما
ُكتب له أن يحمله، مثلي قد يرتفع
ليشبك في شجرة داخل قصر و قد تقفز و تحطه أرضاً قطة ليمتد فوق كومة
قمامة..مثلي لا يعرف أين خلفه و أين أمامه؟ هذه الأكياس مثلنا نحن الشباب.
لا نملك تحديد أي طريق، بل و إذا اشتعلت النيران نكون أول من يذوب بين
ألسنة الحريق. لا نملك لا أن نهرب و لا أن نفر، فلا وصلنا لمرتبة الكلاب
التي تهرب و لا حتى الهر الذي يفر. جلست أتأمل من مكاني المرتفع فوق جبل
عصر الأكياس تتطاير أمامي في الجو، فأكاد أراها تشكل بوجوه أصحابي ، فأرفع
يدي محييا، أهلا محمد، كيف الحال يا منصور ، كيف دنياك يا علي؟ أين أراضيك
أبو الشباب يا أسعد؟ و الأكياس تتطاير أمامي و لا يجيبني منها أحد. أسئلتي
المعتادة التي كلما أتيت هنا ظلت تراودني هي، هل سأجد وظيفة؟ هل سأتزوج؟
هل سيكون لي ابن؟ هل سيكون لي بيت؟ هل سأكل و أشرب؟ هل سأفرح و أرتاح؟ كيف
أفعل أي من هذا و أنا لا قرابة بيني و بين أي من المسئولين، كيف؟ كيف أعمل،
كيف أطمح؟ عمري يمر سريعا و أنا أتحسر و أتململ. بعض الأكياس العلاقيات من
زملائي و من دفعتي لا يتخرجون من الجامعة إلا و قد تم خلق وظيفة في
انتظارهم ليشغلوها. يحدث لهم ذلك ببساطة لأنهم تزوجوا بنت مسئول أو لأن
مسئول يقرب لهم قرابة أسرية و لو من بعيد. ليس لدي أنا أي شيء من هذا؟ لذا
كنت و مازلت كيس علاقي، و لا يوجد في الأمر جديد. أنا منذ قال لي أبي قبل
وفاته :"يا بني المال يلد مال أكثر ، و الفقر يلد فقر أكبر" و أنا متوكل
على الله ليساندني بعونه و أثبت أن الحركة و العمل هي التي تلد مال أكثر و
أن اليأس و الكسل يلد فقر أكبر. تأملت صنعاء الجميلة المسكينة، ، لم تجد من
يرعاها. أحبها كثرا برغم كوني لم أر فيها سوى البؤس و المهانة. حمدت الله أن حبها لا زال مجاني، و لم
يحول أولاد الأبالسة حبها إلى اشتراك سنوي أو شهري يسدد إلى جيوبهم و
خزائنهم. كانت كل هذه الأفكار تجول داخل رأسي حيت توقفت سيارة خلفي. سيارة
فاخرة لا أعرف نوعها و لا اسمها. نزل منها رجل
، امرأة و طفل. صدحت الموسيقى من السيارة. أغنية مصرية راقصة و حلوة. أنا
أحب الأغاني المصرية و يطرب لها قلبي غير أنني نسيت متى فعلها آخر مرة.
أعطيت الأسرة ظهري خشية أن أضايق الأسرة. كانت الموسيقى عالية رجتني ، رجت
كياني و رجت كيسي في حضني. فأمسكته بأصابعي العشرة خشية أن تطيره في الجو.
شعرت بنقر على كتفي، فالتفت لأجد الرجل يقف خلفي قائلا:" معي عائلة و أنت
واحد. بإمكانك أن تنتقل إلى مكان آخر لتخزن فيه." لم أهتم كونه يطردني من
مكان عام، ليس ملكة بل كنت ممتناً كونه قال لي "أنت واحد" ، فنهضت لأغير
مكاني و أجبته:" أشكرك! أنا واحد؟؟، الله يحفظك"لقد أكرمني هذا الرجل، أما
أنا فلم أكن أعرف سوى أنني كيس علاقي. نهضت ألملم مائي ، قاتي و نفسي. رفعت
رأسي إلى وجه الرجل فألجمتني المفاجأة. كان الرجل الذي طلب مني مغادرة
المكان زميل قديم منذ أيام الثانوية. كبر و سمن و تغير و لكنني ميزت حتى
صوته. حملقت في وجهه ، هتفت:" أنت؟؟؟ معقول؟" تأمل هو وجهي ، أبتسم و صاح
بصوت رج كيس القات الخاوي في يدي :" أهلااااااا" اقترب مني ، صافحني و
تعانقنا. أيام الثانوية ، أيام الشباب و الطيش و الأحلام الوردية. سألني ما
أخباري، تزوجت؟ لا..توظفت؟ لا....معك بيت؟ لا.... معك سيارة.؟لا...معك خطط
مستقبلية؟ لا...... ضاق الرجل مني... فقال مجاملا :" لكن ما شاء الله ،
كما أنت لم تتغير: أما أنا فسمنت كثيرا للأسف" قالها بتحسر يغلف مضمون من
التفاخر و الفشر. أجبته،" أنا لم أتزوج و لم أنجب ، فلما أسمن؟" قهقه هو
بصوت هزني و تشبثت بكيس القات و أجاب :" أنا زوجتي هي التي تلد و ليس أنا،
ما بك يا رجل؟؟؟؟" لم اخبره لئلا يستاء مني أن من يراه يعتقد انه هو من حبل
و ولد. تنحنح بعد ذاك الضحك الذي
سمعة كل سكان وادي ظهر، قال لي :" أما أنا فأعمل في الشئون المالية، تزوجت و
لدي ولد" فاقتربت هامسا في إذنه: "أما أنا فكيس علاقي ، و لكن لا تبوح
بالسر لأحد" قهقه و هو يقول "منكت فظيييييييييييييع" و ما كنت أنكت...كنت
أبكي ، كثر التنكيت ... ما هو إلا حزن مريع. بدأت زوجته تضيق من انتظارها
فنادته. أرتبك كوني سمعت صوتها، و همس :" أنا آسف، غير مكانك لو سمحت أنت
واحد و ستنتقل بسهولة. زوجتي مدلله و لا أريد إغضابها" فهمت أنا ما بين
السطور. هززت رأسي و توجهت لأنزل إلى مكان آخر. ابتعدت
عنهم، ربما زوجته المدللة تريد أن ترفع نقابها أو تريد أن تغني....أما أنا
فلست إلا علاقي لم يبقى فيه إلا القليل. ابتعدت و أنا أحدث نفسي، صاحبي
موظف في منصب فاخر و السيارة دليل، متزوج و الوظيفة دليل، و ابنه دليل
استمرار ذريته. ما شاء الله كم هو سعيد. كنت أغششه في الامتحانات...لأنة
كان بليد. لديه في الأرجح بيت و ليس مستبعد أن يكون لدية حديقة بل لا
استبعد امتلاكه طائرة. آه منك يا دنيا لعوب و غادرة. ابتعدت عنهم، و مددت
يدي إلى داخل الكيس فوجدت أن القات قد انتهى، طيرت الكيس تأملته يعلو و
يميل و ينخفض. ليت أستطيع مثله أن أطير و أتطاير... ليت أكون حر أحيا أو
أموت دون أن ُأعاقب.... تعبت كون أني بشر.. أريد أن أكون كيس علاقي..... لا ينقض علي أبدا غول الإحباط و أظل دوما أسافر.