ما عاد ُيهمني من أصبح رئيس البلاد،لا ُيهمني من تنحى و ظل يتحكم و يصدر أوامر و يدير بأصابع علنية و إن كانت مخفية،و لست ُأعني بمن أناب، لم يعد يهمني من استولى على السلطة و يفترسها هناك خلف الأشجار،السلطة كما يبدو شهية، مغرية يسيل لها اللعاب! لم أعد أهتم بمن ضحى من أجلك يا يمن، و لا بمن قايض،حاور ثم باع و خان. لا أريد في هذا التفجير الأخير أن ُأبلغ كم إنسان بريء ُجرح و كم مات.لا أريد أن تصلني تفاصيل، هل كان تفجير بحزام ناسف؟ سيارة مفخخة؟ حقيبة ملغمة مرمية في قارعة الطريق؟ لا أريد أن أعرف.أريد أن ُألقي بمطارق الأسئلة التي طالما هاجمتني بعيداً عن خميلة ذاكرتي فأنا منهكة و هي مستهلكة .
لا أريد أن اعرف لماذا بتنا و أصبحنا و أمسينا في ظلام؟ ما عدت مهتمة من نجح و من فشل؟ لا يهمني لماذا من يخرج أحيانا لا يعود، و لماذا أصبحت الأنثى مطمع و الطفل فريسة و الرجال أسود؟ لا يهمني من اخلص و ضحى لأجلك يا يمن،و من تآمر و ربح أرباح أسطورية في القمار. سيان عندي الجميع،فكل من يحيط بنا مريب و غدار.
لا يهمني ، أقسم بالله بأنني ما عدت آبه، لا بالأسعار المشتعلة، و لا كيف سنعمل؟ و لا بالسيارات المفخخة،و لا بالشباب الانتحاريين و لا بعقولهم المتطايرة و لا متى يا ربي نطمئن و نأمن؟ عندما المرأة تخاف أن تمشي في الشارع، تتلفت فلا تجد ظهر تحتمي به، ولا درع تتكور خلفه يكون حينها الوضع سيء، أنا أخاف عندما امشي في الشارع، أقولها دون أن استحي أو أدمع! تمكن الأبالسة من الانتقام من الملائكة و ها نحن البشر،نترنح.أنا ما عدت اهتم بالقلب الواجف و لا أرحم من تغرب فوق أرضة. نرتعش كورق شجر في مهب الريح لنأكل و نشرب و نسكن. في معترك الحياة نسقط و نموت. ماذا في ذلك؟ كلنا سنفعل! ما عدت أأسف على الأمل المفقود، فكل ما هو جميل غادرنا و صار أيضا مفقود.ما عدت أهتم بحلم الهجرة. لا أريد أن أفر فوق طائرة، زورق أو ورقة، ما عدت أشتهي حد الوجع أي شكل من أشكال الهروب!
لا يهمني هذا القرار السياسي أو ذاك لماذا تم أو لماذا لم يتم؟ لا أهتم من الفاعل و لا من القائل.لا يهمني من قال أعلن انضمامي ، و لا من لم يفتح فمه و أنضم بكل جوارحه. لست آبه بحل أحجية الكهرباء في اليمن.لست أهتم بمحاسبة من أقتنص، ولا بمعاقبة من أسال الدماء.لا يهمني من الداهية بين كل هؤلاء الطهاة الطغاة. لا أريد أن أعرف تفاصيل من رش البهار، و لا أريد سماع من لاك في جوفه العفن سمعة الشرفاء الأحرار. كل ما اعرفه هو أن هؤلاء الطغاة كفرونا بالسلم و الحب و الجمال و العافية، لا نجاة منهم ،لا نجاة!
كنت أجلس بين صف من النساء في زفاف ابنة صديقة لنا. النساء، و ما أدراك ما عالم النساء، الذهب،الزينة، الثياب الجميلة، العارية، ملونات الوجوه، البؤبؤ في العين ازرق، رمادي، أخضر. بعضهن منفوخات الخدود، بعضهن نافخات الدخان،بعضهن شارد، بعضهن متبلد، معظمهن برغم هذا المظهر الفاخر، بائس! لكن الجميع يبتسم و يتكلم و يقهقه. لا ألوم أحد، أجل فالحياة مستمرة إلى أن يأذن ربي.
أعلنت الفرقة الموسيقية أن العروس ستدخل القاعة بعد قليل. أضيق كثيراً بما يعقب دخول العروس من إجراءات. فأسرعت ألملم حذائي الموحل من مطر و تراب الشارع، لملمت خماري المبلول و حقيبتي و كل أشيائي حتى ألقي على العروس نظرة خاطفة و أرحل. أضيق من الزفة الطويلة فوق الممر المرتفع، و بالرقص الذي تضج القاعة به بعد دخول العروس، أضيق من توزيع الطعام و مضغة، من تصوير أسرة العروس معها، ثم دخول العريس و كل تلك الزغاريد. نهضت بأشيائي في حضني. دخلت العروس. صعدتْ فوق درج الممر المخصص لها. رأتني مبتسمة، لوحت لها و خرجت مسرعة. المسكينة صدرها يعلو و ينخفض، تستحي من نظرات الحضور. أشفقت عليها المسكينة في أي عمر من عمر الدنيا تتزوج؟ أمها تتبعها ممسكة بيدها مبخرة يرتفع منها دخان برائحة العود.
في الغرفة الخارجية للقاعة حيث تضع النساء خمارها قبل الخروج للشارع جلست على كرسي لأربط حزام حذائي. فوجئت بألم أسفل بطني نخر قلبي. رفعت ظهري. بيدي مررت أصابعي فوقه في الجهة اليمنى من بطني.بدا الوجع حين تلمسته بأصابعي ككرة صلبة تحت جلد بطني.ما هذا؟ أقصد ما هي هذه الكتلة المتكورة؟ أخذت بأصابعي أتحسسها من جميع الجهات،وجع خفيف لكنه وجع لا مجال للشك فيه. تلفت يمين و شمال فلم أجد أحد حيث كان الجميع داخل القاعة يتابع زفة العروس. بسرعة رفعت ثوبي البنفسجي الطويل و نظرت إلى مكان الوجع. لم يكن هناك أي بروز فوق بطني و لا تغير في اللون.كررت اللمس فتجدد الوجع. أسدلت ثوبي وجلست لألتقط أنفاسي. متى تصلبت هذه النقطة من بطني؟ سرطان؟؟؟نهشت الكلمة وجهي كنباح كلب شوارع أسود.هل يمكن أن أكون أنا عدد من أعداد ضحايا مرض السرطان؟
لم لا فما الإنسان فوق أرض الله إلا ضيف أو لنسمه نزيل. كنت ألهث دون أن أجري، و شعرت بحرارة و دوخة.ما هذه الكرة؟ ماذا يمكن أن تكون؟ في الواقع من الطبيعي أن نسقط ضحايا في شباك هذا المرض اللعين، فما أكثر ما ُترش خضرواتنا بكيماويات مسرطنة. ما أكثر الفواكه المسرطنة. ما أكثر السم في القات. مائنا ملوث حتى المعدني و المغلي المقطر. معجناتنا و خبزنا كل مواده المخمرة مسرطنة، حتى تسالي و شبس أطفالنا مسرطن. فلأي سبب نستغرب إذا أصيب أي منا بهذا المرض الخبيث. بل أنني سمعت أن حتى ثيابنا مخلوطة بمادة الرصاص و هي مادة مسرطنة. بعد مرور بعض الوقت لست أدري كم ، نهضت لمغادرة القاعة. أنزلت نقابي فوق وجهي و خرجت. قدت سيارتي عائدة إلى منزلي. فتحت نافذة سيارتي فعانقني هواء صنعاء و قبل خدي ، هواء صنعاء المعطر بالحب و الوله كأنما هو يودعني،أغرقت عيني بالدموع رائحة عطره و دفء عناقه.هل سأترك كل شيء قريباً؟ مررت بالشوارع أودع كل شيء. الشوارع، السيارات المخالفة، الشعب المخدر، الباعة المتجولين، الشحاذين، بنات الليل، إشارات المرور المطفأة، شرطي المرور التعيس. سيارة أجرة بجانبي يستمع لأغنية "مسكين يا ناس من قالوا حبيبه عروس." كل هذه المأساة التي أسمينها الحياة. رأيت امرأة تشحذ برضيع، ذكرت وحيدتي فسالت دموعي فوق خدي.كيف أتركها و لمن؟ منذ توفي والدها و ارتاح، أخذتها و عدت لأقيم مع والداي.هي في الصف الخامس الابتدائي. فهل تفهم؟ و هل يفهم أي طفل في الدنيا معنى أن أمه ستتركه بلا عودة؟ يا الله.....كنت أقود السيارة و ابكي بحرقة، أشعرتني أنني ابكي و السيارة هي من يقودني.تبلل نقابي فرفعته غير آبهة بتلطيخ الزينة و الألوان فوق وجهي، فقط مسحت بباطن يدي فمي، و مسحت دموع سوداء اختلطت بكحل عيني. أريد أن أعرف و الآن إن لم يكن ذلك التكور المؤلم تورم سرطاني فماذا يمكن أن يكون؟ التواء؟ أمعاء متصلبة؟ متى تكون ذلك التكور أصلاً، فقد اكتشفته فجأة.تقافزت صور من اعرفهم و كانوا ضحايا لمرض السرطان.لا ،لا مستحيل الله يأخذني و لي طفلة تحتاج إلي. تذكرت كم من أم ماتت جوعا في قارة أفريقيا و ابنها الصغير ينظر إليها.كم أمهات يمتن و أبنائهن رضع. فمن أنا لأُستثنى؟
وصلت منزلي،دخلت مسرعة إلى الحمام لأغسل وجهي.أحسست الماء بارد من ارتفاع حرارتي. أريد أن أذهب غداً للطبيب.كانت ابنتي قد نامت،كذلك نام أمي و أبي. دخلت غرفتي لأجدها نائمة على سريري كالملاك. لم أتمالك نفسي، فبكيت و أنا أمسح على شعرها الناعم المسترسل فوق مخدتها.تأملت أصابع يدها الصغيرة.ستكونين يتيمة الأبوين يا ماساتي الصغيرة. لم أنم الليل كله. ظللت أقرأ القرآن.دعوت الله أن يمن علي بتلاشي التورم عندما أصحو و اختفاء الألم. في الصباح خرجت مبكرة و أخبرت أمي أنني أعاني من مغص و لسوف أذهب لطبيب باطنية.
خرجت الشارع. رأيت لافتات عملاقة،كتب عليها "الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة لتداول السلطة""أي انتخابات يا كذابين،و المرشح واحد؟! سحقا لكم، سأرتاح من سخفكم. مررت بالشوارع ، لافتات أخرى،"حمداً لله على سلامة" علان و فلان و زعطان. و الجنود المساكين الذين ماتوا كالذباب لهم الفاتحة المستعجلة،لكن لا حداد و لا حتى تنكيس أعلام.تباً لحكومة تبجل رجالاتها الأثرياء و تدوس على شبابها الفقراء.للأمانة هذا السرطان ذواق و مثقف فقد اختارني في فترة أصبح الكل فيها متعب من الحياة. وصلت العيادة.في الغرفة المظلمة، بدا الطبيب يمشي الماسح فوق بطني و يحدق في الشاشة. ظلمة الغرفة ذكرتني بظلمة القبر.
قلت له:- خير يا دكتور؟ طمئنني؟ أجاب:- لا شيء البتة. لهول المفاجأة قمت جالسة و أبعدت يده الممسكة بالماسح من فوق بطني. سألته:- كيف يعني؟ و هذا الوجع، ماهو؟ أجاب:- توتر، قولون عصبي. قاطعته:- لكني لست عصبية البتة. قال:- اكتئاب ، سمه ما شئت. قلت:- سرطان؟ ارتفع صوته:- ما بك؟ صلي على النبي؟ قلت:- و كل مرضي السرطان، كانوا يصلون على النبي. أمنتك أن تصارحني، أنا قد أبدو مهزوزة لكنني قوية. قال:- فقط خففي من التوتر و القلق. سألته :-يعني ليس سرطان؟
أجاب:- أنا لا أرى سرطان، من باب التأكيد ، اذهبي لمركز أشعة آخر وتأكدي إذا تطابقت النتيجتين. قاطعته:- و إن اختلفت النتيجتين ، هل أسافر؟ ألتفت إلى بحزن و تنهد، ثم تمتم:- سافري!
لا أريد أن اعرف لماذا بتنا و أصبحنا و أمسينا في ظلام؟ ما عدت مهتمة من نجح و من فشل؟ لا يهمني لماذا من يخرج أحيانا لا يعود، و لماذا أصبحت الأنثى مطمع و الطفل فريسة و الرجال أسود؟ لا يهمني من اخلص و ضحى لأجلك يا يمن،و من تآمر و ربح أرباح أسطورية في القمار. سيان عندي الجميع،فكل من يحيط بنا مريب و غدار.
لا يهمني ، أقسم بالله بأنني ما عدت آبه، لا بالأسعار المشتعلة، و لا كيف سنعمل؟ و لا بالسيارات المفخخة،و لا بالشباب الانتحاريين و لا بعقولهم المتطايرة و لا متى يا ربي نطمئن و نأمن؟ عندما المرأة تخاف أن تمشي في الشارع، تتلفت فلا تجد ظهر تحتمي به، ولا درع تتكور خلفه يكون حينها الوضع سيء، أنا أخاف عندما امشي في الشارع، أقولها دون أن استحي أو أدمع! تمكن الأبالسة من الانتقام من الملائكة و ها نحن البشر،نترنح.أنا ما عدت اهتم بالقلب الواجف و لا أرحم من تغرب فوق أرضة. نرتعش كورق شجر في مهب الريح لنأكل و نشرب و نسكن. في معترك الحياة نسقط و نموت. ماذا في ذلك؟ كلنا سنفعل! ما عدت أأسف على الأمل المفقود، فكل ما هو جميل غادرنا و صار أيضا مفقود.ما عدت أهتم بحلم الهجرة. لا أريد أن أفر فوق طائرة، زورق أو ورقة، ما عدت أشتهي حد الوجع أي شكل من أشكال الهروب!
لا يهمني هذا القرار السياسي أو ذاك لماذا تم أو لماذا لم يتم؟ لا أهتم من الفاعل و لا من القائل.لا يهمني من قال أعلن انضمامي ، و لا من لم يفتح فمه و أنضم بكل جوارحه. لست آبه بحل أحجية الكهرباء في اليمن.لست أهتم بمحاسبة من أقتنص، ولا بمعاقبة من أسال الدماء.لا يهمني من الداهية بين كل هؤلاء الطهاة الطغاة. لا أريد أن أعرف تفاصيل من رش البهار، و لا أريد سماع من لاك في جوفه العفن سمعة الشرفاء الأحرار. كل ما اعرفه هو أن هؤلاء الطغاة كفرونا بالسلم و الحب و الجمال و العافية، لا نجاة منهم ،لا نجاة!
كنت أجلس بين صف من النساء في زفاف ابنة صديقة لنا. النساء، و ما أدراك ما عالم النساء، الذهب،الزينة، الثياب الجميلة، العارية، ملونات الوجوه، البؤبؤ في العين ازرق، رمادي، أخضر. بعضهن منفوخات الخدود، بعضهن نافخات الدخان،بعضهن شارد، بعضهن متبلد، معظمهن برغم هذا المظهر الفاخر، بائس! لكن الجميع يبتسم و يتكلم و يقهقه. لا ألوم أحد، أجل فالحياة مستمرة إلى أن يأذن ربي.
أعلنت الفرقة الموسيقية أن العروس ستدخل القاعة بعد قليل. أضيق كثيراً بما يعقب دخول العروس من إجراءات. فأسرعت ألملم حذائي الموحل من مطر و تراب الشارع، لملمت خماري المبلول و حقيبتي و كل أشيائي حتى ألقي على العروس نظرة خاطفة و أرحل. أضيق من الزفة الطويلة فوق الممر المرتفع، و بالرقص الذي تضج القاعة به بعد دخول العروس، أضيق من توزيع الطعام و مضغة، من تصوير أسرة العروس معها، ثم دخول العريس و كل تلك الزغاريد. نهضت بأشيائي في حضني. دخلت العروس. صعدتْ فوق درج الممر المخصص لها. رأتني مبتسمة، لوحت لها و خرجت مسرعة. المسكينة صدرها يعلو و ينخفض، تستحي من نظرات الحضور. أشفقت عليها المسكينة في أي عمر من عمر الدنيا تتزوج؟ أمها تتبعها ممسكة بيدها مبخرة يرتفع منها دخان برائحة العود.
في الغرفة الخارجية للقاعة حيث تضع النساء خمارها قبل الخروج للشارع جلست على كرسي لأربط حزام حذائي. فوجئت بألم أسفل بطني نخر قلبي. رفعت ظهري. بيدي مررت أصابعي فوقه في الجهة اليمنى من بطني.بدا الوجع حين تلمسته بأصابعي ككرة صلبة تحت جلد بطني.ما هذا؟ أقصد ما هي هذه الكتلة المتكورة؟ أخذت بأصابعي أتحسسها من جميع الجهات،وجع خفيف لكنه وجع لا مجال للشك فيه. تلفت يمين و شمال فلم أجد أحد حيث كان الجميع داخل القاعة يتابع زفة العروس. بسرعة رفعت ثوبي البنفسجي الطويل و نظرت إلى مكان الوجع. لم يكن هناك أي بروز فوق بطني و لا تغير في اللون.كررت اللمس فتجدد الوجع. أسدلت ثوبي وجلست لألتقط أنفاسي. متى تصلبت هذه النقطة من بطني؟ سرطان؟؟؟نهشت الكلمة وجهي كنباح كلب شوارع أسود.هل يمكن أن أكون أنا عدد من أعداد ضحايا مرض السرطان؟
لم لا فما الإنسان فوق أرض الله إلا ضيف أو لنسمه نزيل. كنت ألهث دون أن أجري، و شعرت بحرارة و دوخة.ما هذه الكرة؟ ماذا يمكن أن تكون؟ في الواقع من الطبيعي أن نسقط ضحايا في شباك هذا المرض اللعين، فما أكثر ما ُترش خضرواتنا بكيماويات مسرطنة. ما أكثر الفواكه المسرطنة. ما أكثر السم في القات. مائنا ملوث حتى المعدني و المغلي المقطر. معجناتنا و خبزنا كل مواده المخمرة مسرطنة، حتى تسالي و شبس أطفالنا مسرطن. فلأي سبب نستغرب إذا أصيب أي منا بهذا المرض الخبيث. بل أنني سمعت أن حتى ثيابنا مخلوطة بمادة الرصاص و هي مادة مسرطنة. بعد مرور بعض الوقت لست أدري كم ، نهضت لمغادرة القاعة. أنزلت نقابي فوق وجهي و خرجت. قدت سيارتي عائدة إلى منزلي. فتحت نافذة سيارتي فعانقني هواء صنعاء و قبل خدي ، هواء صنعاء المعطر بالحب و الوله كأنما هو يودعني،أغرقت عيني بالدموع رائحة عطره و دفء عناقه.هل سأترك كل شيء قريباً؟ مررت بالشوارع أودع كل شيء. الشوارع، السيارات المخالفة، الشعب المخدر، الباعة المتجولين، الشحاذين، بنات الليل، إشارات المرور المطفأة، شرطي المرور التعيس. سيارة أجرة بجانبي يستمع لأغنية "مسكين يا ناس من قالوا حبيبه عروس." كل هذه المأساة التي أسمينها الحياة. رأيت امرأة تشحذ برضيع، ذكرت وحيدتي فسالت دموعي فوق خدي.كيف أتركها و لمن؟ منذ توفي والدها و ارتاح، أخذتها و عدت لأقيم مع والداي.هي في الصف الخامس الابتدائي. فهل تفهم؟ و هل يفهم أي طفل في الدنيا معنى أن أمه ستتركه بلا عودة؟ يا الله.....كنت أقود السيارة و ابكي بحرقة، أشعرتني أنني ابكي و السيارة هي من يقودني.تبلل نقابي فرفعته غير آبهة بتلطيخ الزينة و الألوان فوق وجهي، فقط مسحت بباطن يدي فمي، و مسحت دموع سوداء اختلطت بكحل عيني. أريد أن أعرف و الآن إن لم يكن ذلك التكور المؤلم تورم سرطاني فماذا يمكن أن يكون؟ التواء؟ أمعاء متصلبة؟ متى تكون ذلك التكور أصلاً، فقد اكتشفته فجأة.تقافزت صور من اعرفهم و كانوا ضحايا لمرض السرطان.لا ،لا مستحيل الله يأخذني و لي طفلة تحتاج إلي. تذكرت كم من أم ماتت جوعا في قارة أفريقيا و ابنها الصغير ينظر إليها.كم أمهات يمتن و أبنائهن رضع. فمن أنا لأُستثنى؟
وصلت منزلي،دخلت مسرعة إلى الحمام لأغسل وجهي.أحسست الماء بارد من ارتفاع حرارتي. أريد أن أذهب غداً للطبيب.كانت ابنتي قد نامت،كذلك نام أمي و أبي. دخلت غرفتي لأجدها نائمة على سريري كالملاك. لم أتمالك نفسي، فبكيت و أنا أمسح على شعرها الناعم المسترسل فوق مخدتها.تأملت أصابع يدها الصغيرة.ستكونين يتيمة الأبوين يا ماساتي الصغيرة. لم أنم الليل كله. ظللت أقرأ القرآن.دعوت الله أن يمن علي بتلاشي التورم عندما أصحو و اختفاء الألم. في الصباح خرجت مبكرة و أخبرت أمي أنني أعاني من مغص و لسوف أذهب لطبيب باطنية.
خرجت الشارع. رأيت لافتات عملاقة،كتب عليها "الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة لتداول السلطة""أي انتخابات يا كذابين،و المرشح واحد؟! سحقا لكم، سأرتاح من سخفكم. مررت بالشوارع ، لافتات أخرى،"حمداً لله على سلامة" علان و فلان و زعطان. و الجنود المساكين الذين ماتوا كالذباب لهم الفاتحة المستعجلة،لكن لا حداد و لا حتى تنكيس أعلام.تباً لحكومة تبجل رجالاتها الأثرياء و تدوس على شبابها الفقراء.للأمانة هذا السرطان ذواق و مثقف فقد اختارني في فترة أصبح الكل فيها متعب من الحياة. وصلت العيادة.في الغرفة المظلمة، بدا الطبيب يمشي الماسح فوق بطني و يحدق في الشاشة. ظلمة الغرفة ذكرتني بظلمة القبر.
قلت له:- خير يا دكتور؟ طمئنني؟ أجاب:- لا شيء البتة. لهول المفاجأة قمت جالسة و أبعدت يده الممسكة بالماسح من فوق بطني. سألته:- كيف يعني؟ و هذا الوجع، ماهو؟ أجاب:- توتر، قولون عصبي. قاطعته:- لكني لست عصبية البتة. قال:- اكتئاب ، سمه ما شئت. قلت:- سرطان؟ ارتفع صوته:- ما بك؟ صلي على النبي؟ قلت:- و كل مرضي السرطان، كانوا يصلون على النبي. أمنتك أن تصارحني، أنا قد أبدو مهزوزة لكنني قوية. قال:- فقط خففي من التوتر و القلق. سألته :-يعني ليس سرطان؟
أجاب:- أنا لا أرى سرطان، من باب التأكيد ، اذهبي لمركز أشعة آخر وتأكدي إذا تطابقت النتيجتين. قاطعته:- و إن اختلفت النتيجتين ، هل أسافر؟ ألتفت إلى بحزن و تنهد، ثم تمتم:- سافري!