ليت التكنولوجيا !

 


انا فتاة في السابعة عشر من عمري. أنا لست الكاتبة، لكنها تعرفني. طلبت منها أن تكتب ما مررت به كأنني أنا من يكتب. قصتي تستحق السرد.

انا يمنية مولودة في اليمن، اقمت فيها منذ ولادتي ولم اتركها الا مرة في حياتي حين ذهبت مع اسرتي الى الحديدة لمدة أيام أربع. انا لم ار مطارا او طائرة الا في الأفلام. شاهدت إقلاعها وهبوطها ...سمعت هدير 

محركاتها مدوي. لكنني لا اتخيل حجمها في الواقع كم مداه. هدير الطائرة عال يخيف العصافير مثلي.

العجيب الغريب الحزين ان كل اليمنيين داخل اليمن منذ قيام الحرب وحلمهم أصبح مفارقة اليمن الى أي بلد اخر. وأنا؟ أنا لا طبعا لا اشاركهم حلمهم. هاتوا كلاب بوليسية تتعرف على رائحة الشخص الذي لديه الرغبة في مفارقة الوطن فراق إذا نبحت علي اتركوها تنهشني. انا قابلة. فراق اليمن " صدمة" لا يحتملها ولن يحتملها قلبي الصغير. انا بكل صدق أحب اليمن وأشفق عليها. أدرك تماما مصاعبها ومشقة السكن فيه، لكن أحس انني لن أكون سعيدة إذا تركتها الى بلد اخر مهما كان خالي من عيوبها. اسمعهم يشتكون من غلاء المعيشة، حالة الشوارع، تدهور التعليم، ضياع المستشفيات، تعميق جذور العنصرية والتمييز الطبقي في مجتمعنا. بعينيي أرى الرجعية التي عبدوا لها شارع خط سريع طوله ألف عام. افهم ولا أنكر. يحز في نفسي غسيل الأدمغة وفيضان التغرير التي غرقت فيه أجيال كاملة. لكن هل سفري سيفرج على او على اليمن؟ لا والله... سيزداد اليمن غرقا وسأزداد أنا شهيقا واختناقا في الغربة. أرى بعيني المقابر يتم افتتاحها للشباب بدلا من أن ترصف حجر أساس مشاريع للشباب. أرى أبواب الوظائف مغلقة امام وجوههم، ولا يوجد باب مفتوح ولا باب ولا باب. قرأت بنفسي المناهج الجديدة والصور الجديدة والمعتقدات الجديدة والتاريخ الجديد. الطلاب كلهم يخضعون لتسيير، في درب لا يختارون فيه شيئا بل يصمون ويحفظون عن ظهر قلب ويسمعون ما لا يفقهون. الى أين نحن متجهين؟

لكن... في الوقت نفسه الذي استوعب فيه هذا كله لكنني مؤمنة ان جو اليمن ليس له مثيل. طيبة اهل اليمن وحميتهم ليس لها مثيل. خضارنا، أكلنا، بهاراتنا، بن اليمن، كلها ليس لها مثيل. لمة الاهل، الجلسة على الأرض، المدكى... كل هذا أشياء ليس لها مثيل. فهل يعقل أن نترك لبلادنا يعبث بها الغريب الدخيل؟

فجأة يا قارئي، أنا لا أريد أن أطيل. جاء أبي يهزني بتوتر قائلا:-"هيا قومي بسرعة سنسافر؟" ...نسافر؟ أين؟ لماذا؟ هذا يحتاج شرح وتفسير. لمحت أمي تلملم أغراض واخوتي الشباب يحملون حقائب وكراتين. قمت مشدوهة. مسكت موبايلي وأرسلت الى صديقتي المقربة رسالة عبر تطبيق الوتس اب

(سنترك اليمن) ذكرت جارتي. كذلك هي صديقتي وأحبها كثيرا. أردت ان اطبع لها رسالة مماثلة فطبعت سنترك... واشتدت رعشة يدي من شدة الاضطراب. لم أستطع تكملة طباعة كلمة اليمن. فذهبت لرسالة صديقتي المقربة وضللت كلمة اليمن ونسختها في أصبعي ثم عدت لرسالة جارتي لكي ألصقها فأبت ان تنتقل للرسالة. كانت يدي ترتعد. لم أستطع ضغط الشاشة للصق كلمة اليمن. لم اعرف ساعتها أأنا الحزينة ام انه اليمن حزين جريح؟ تحركنا صوب الباص الذي سينقلنا الى عدن وكلمة اليمن في أصبعي. طوال الرحلة رفضت أن أغسل يدي. وصلنا القاهرة الى بيت قريب لأبي. سكنا في شقتهم حتى نجد شقة خاصة بنا. كان أبي يتحدث مع قريبة. أمي تتكلم مع زوجته وخرج أخوتي الشباب يتمشون حول العمارة.

أما أنا فكنت حزينة. لم أكن أريد أن أسافر. مهما كان اليمنيين المقيمين في الخارج في أمان اوفي سعادة لكن مهما قالوا يظل اسمهم غرباء. تلك هي المحزنة في الأمر. تلك الليلة نمنا كلنا في الغرفة والصالة. طلبت من أمي أن أنام في حضنها. وضعت أصبعي على ثوبها وضغطته لعلني الصق اليمن فلم تنتقل الكلمة. وقفت محاولة أن الصق كلمة اليمن التي نسختها من رسالتي لصديقتي المقربة في اليمن فوق الجدار فلم تلتصق الكلمة. حاولت اضغط أصبعي في كل صوب فلم تلتصق كلمة اليمن. لم تتطور التكنولوجيا لتعمل نسخ ولصق الا لكلمات...اما لأوطان فلا.

اليمن... لا توجد الا في اليمن. ليت التكنولوجيا الصقت اليمن حيث أنا الأن...ليت

 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال