من عائلة " الطبل"




قدمنا زميلي و أنا إستماراتنا ، صورنا الشخصية ، مرفقات  بشهادات الخبرة و السيرة الذاتية الى قسم تكنولوجيا المعلومات في وكالة السفريات التي نعمل بها. كانت الدورة التدريبية تؤدي الى رفع كفاءة موظف الاستقبال في الوكالات السياحية. قد حضرنا دورات تدريبية كهذة و لكن هذه كانت ميزتها الساحرة أنها في المانيا الاتحادية !
الدورة التدريبية تشترط في المتقدم إتقان اللغة الانجليزية. اجزمت أنني من سيفوز بهذه الرحلة و الفرصة الرائعة حيث أن انجليزيتي أفضل من إنجليزية زميلي بمراحل.  تفاجأت بقبول زميلي و الاعتذار مني أنا ! اختيار الفائز بالرحلة تم داخل ادارة وكالة السفريات التي نعمل فيها. توجهت لمكتب المدير و ليس في نيتي لا ان اغضب و لا ان أنفعل حيث أنني مؤمن  بالمكتوب من الله سبحانه و تعالى. لكنني ذهبت إلى مكتب المدير لأستفسر فقط عن اسباب رفضي و انا حاصل على "التوفل". برر لي المدير أنني قد حضرت دورات تدريبية عدة و خبرتي جيدة بامتياز و ان زميلي هو من يحتاج لهذه الدورة التدريبية كي يتحسن اداءه. وجدت في التبرير منطق.ذكرني قبل مغادرتي مكتبه انني من عائلة " الطبل" و استطيع ان الف الدنيا ان اردت !  فأحنيت جبيني لئلا يرى مديري حزني. خرجت من مكتبه اجر ذيول الخيبة و الانكسار. كنت قد عشمت نفسي برؤية الثلوج البيضاء و البشر اصحاب العيون الخضراء. كذلك وعدت زوجتي الواقفة إلى جانبي  منذ تشاركنا الحياة بشال صوفي و حقيبة يد فضية اللون طالما تمنتها. كما قلت لأولادي أنني سأهديهم شوكلاتة و بجامات صوفية تقيهم أنياب الشتاء المقبل.    جاء إلى مكتبي الصبي الذي يقدم لنا الشاي و عصير الليمون . أقترب واضعا كأسا من الشاي على مكتبي، هازا رأسه علامة أن لا حول و لا قوة إلا بالله،  و وشوشني :- " لا بأس يا أستاذ  ، أمنتك ألا تزعل. قوم ظالمون و لكل ظالم نهاية فلا تحزن. يعتقدون لأنك من عائلة " الطبل" أنك تأتي هنا لكسر الملل فقط و لست محتاجا لراتبك. سمعتهم يقولون ان لديك رواتب عدة من جهات متعددة."   اغرورقت عيناي بالدموع و كنت اساسا متأثرا من خسارتي لرحلة ألمانيا. تشبعت حتى كدت اتجشأ من هذا الكلام. باستمرار يكررون عمك الطبل عمك الطبل ! هذا كثير! في أحلامي فقط أصرخ في وجه الظلم و الظالمين :- " أنا من عائلة الطبل صحيح لكن منذ متى كانت الطبول ُتقرع للمساكين؟"... أنا - دعوني أحدثكم عن نفسي - من عائلة الطبل فعلا و هو من أشهر أسرتنا فقط بسبب انتمائها إليه. كانت اسرتنا قبله أسرة بدوية مغمورة و لكن ما أن عاد من السعودية و أقام المشاريع من فنادق ، شركات، محطة بترول و مصانع حتى سطع نجمه. عمي الطبل يحيا في بذخ و رفاهية تشبه رفاهية الخليجيين- و مثلما ليس كل الخيليجيين مرفهين كذلك ليس كل آل الطبل اثرياء - يتنزه عمي الطبل في نهايات الاسبوع في اوروبا و أمريكا. اسم عمي الطبل له صيت يقرع مدويا في الأذان. و هو صيت الثراء و النفوذ و الخدم و الحشم. هذا الصيت يضمنا كلنا آل الطبل فينظر الجميع الينا نظرتهم للطبل نفسه. تختلف - في واقع الأمر - حياتنا عن حياته اختلافا كليا. نحن لا نحيا في رفاهية مثله. لا نمتلك مثلما يمتلك  منازل فخمة و شقق في الخارج ، سيارات، أثاث ملكي ، ملابس ، عطور، ذهب و أرصدة في البنوك.نحن لا نأكل ما يأكل، لا نرتدي ما يرتدي ، لا نركب ما يركب،لا ننام فوق ما ينام، لا نتجول في جهات الدنيا الأربع مثلما هو يتجول، و برغم هذا الفارق المريع فالأخرين ينظرون الينا كأننا هو. لمجرد اننا نحمل ذات اسم العائلة يعتقدون اننا نتمتع بما يتمتع به من جاه، ثراء و حياة مخملية. فكم من "نبيل" يستحي من نذالته النبل ،كم من "وسيم" هو مثال للقبح، و كم من "صالح" هو الأب الروحي لأي فساد في البلاد! أن في تعميم صيت عمي الطبل علينا جميعا أل الطبل ،  ظلما كبيراً لنا.  بعد دقائق جاء إلى زميلي الفائز  بالدورة التدريبية في ألمانيا و عبر عن أسفه :-" أنا لغتي الانجليزية محدودة ،  ساضطر لطلب مترجم من السفارة هناك لكي يترجم لي ففكرت بدل" الفضائح" أمام سفارتنا هناك ، لو تطلب من عمك الطبل أن يعطيك قيمة التذاكر و حوالي سبعمائة دولار للوجبات و المواصلات ، أما من ناحية السكن فسوف نسكن سوية في غرفتي.تعال معي لترى اوروبا التي اشتهيت زيارتها, ما رأيك؟ أنت زميل عزيز و يسرني مرافقتك لي... هيا قم الان و اذهب لعمك الطبل و فاتحه في الأمر. لن يهتز في ميزانيته شيئا اذا اعطاك الفين أو ثلاثة." حملقت في وجهه غير مستوعب ما هذا الذي يقوله ، فتسائلت :- " رحلتك كاملة تغطيها الوكالة ، فكيف تخيلت انني – العبد الفقير لله – قادر على توفير نفقات رحلة الى دولة اوروبيىة ولمدة اسبوعين ، الله المستعان ، هل تظن انني فاسد ؟"  غمز لي غمزة ذات مغزى و همس :-" حاشى لله ، أنا أقصد كلم عمك الطبل." اجبت زميلي جواب طويل لم افتح خلاله فمي قط. امتنعت عن التلفظ بالرد احتراما لصلة القرابة و الدم الواحد. اجبته هذه الاجابة الصامتة :- " يا زميلي ، عمي الطبل اذا لجأنا اليه في حالة مرضية نستجديه مبلغ من المال لاسعاف رجل او امراءة من الأسرة يمثل امامنا التهلك و بكل صفاقة يحكي انه طرق ابواب الجيران صباح اليوم طالبا معونة لتوفير وجبة الغداء. يصدقه البعض منا حتى يكاد يتصدق عليه! عمي الطبل يا زميلي مصدر خام للتجاهل و القسوة, نتباحث احيانا بيننا البين اين القى بنصيبه من الحنان و الحمية و العطف الذي تتوارثه أسرتنا. نسمع نحن آل الطبل عن خدمات مالية كبيرة يقدمهاعمنا الطبل لكن للتجار الكبار من امثاله. سمعنا عن تقديمه يد المساعدة في نفقات زواج أو علاج في الخارج، تكاليف دراسة جامعية أو دراسات عليا في الخارج. يساعد كذلك في بناء عمارات و مستشفيات و يفعل ذلك حتى لأسماء بارزة في الحكومة لأنه ينتظر منهم أن يقدموا له خدمة أخرى بالمقابل. انها سياسة نفعني و انفعك ، و نحن عباد مساكين لا نستطيع اسداء اي خدمة إليه لذا هو لا يقدم إلينا ايضا أي خدمة. عمي الطبل يحيا حياة  قمة في  الرفاهية و نحن لا نستكثر عليه ذلك - حاشى لله -  فهو جدير بهذه الحياة الرائعة نظرا لما يبذله من جهود و سهر في سبيل انجاح مشاريعه. تعرض مرة لجلطة دماغية بعد ضغوطات عسيرة في عمله و ساعدته امواله في ان يسعف نفسه و عاد سليما معافى بعد فترة نقاهة في دولة اوروبية. نحن لا نطلب مشاركته ماله ، و لا نريد حق معلوم من ثروته و العياذ بالله.انه من يتعب ، يفكر ، يجتهد ، يضحى و ليس نحن و هذا النعيم نتيجة لما سبق. نحن لم نبني شيئا و لذا نحن نصارع الفقر و الحاجة. نقول الحمد لله و نعم بالله لكن لكل مجتهد نصيب. لكن نحن آل الطبل فقط نطلب منه المحبة اكراما لصلة الرحم و المساندة و الدعم عند اللجوء إليه في وقت من الاوقات العصيبة. ليت عمي الطبل يدرك أن " الاقربون أولى بالمعروف" ، اذ ما كان اعرض عنا كل هذا الاعراض .يا عمي الطبل آن لك أن تعلم انك حر صحيح لكن ليس تماما... فنحن ندفع ضريبة ثرائك وقدرتك دون ان نذوق لا ثروة و لا نفوذ. نحن نتعامل في الحياة مع ناس يحملون لك الحسد ، الحقد أو العداوة بسبب نجاحك و ثروتك فيعممون هذا المشاعر السوداء على كل أل الطبل لأننا ننتمي اليك. يكفي أن تعرف يا عمي أنني اشتريت ذات مرة جاكت جلدي فاخر و كنت ادفع قيمته في اقساط لانه غالي و صاحب المحل صديق لي. ما أن رآني زميل حتى قال لي:- " ماشاء الله ، ماشاء الله ، الله يخلي لكم عمكم الطبل." فابتسمت له بحزن و لم احب أن احكي له انني لجأت اليك يوما في وظيفة لأخي الصغير بعد تخرجه من الثانوية العامة كحارس لشركتك، فلطمت خدك مولولا ان الشركة ستعلن افلاسها صباح الغد. حين تقدمت لخطبة زميلة لي في الجامعة كان قلبي شديد التعلق بها كان سبب رفضي هو :-" عمك الطبل متزوج بأربع و يطلق احداهن بين الحين و الاخر لكي يستوفي الأربع بامرأة جديدة و نحن نخاف على ابنتنا من ان ترث منه هذه الجينات السيئة." عبثا شرحت لهم ان الزوجة شريكة عمر و العمر واحد و الشريكة واحدة. تزوجت بعدها بفتاة جميلة اهلها قرويين لا يعرفون – و لله الحمد - معنى كلمة جينات!عمي الطبل.... رسالتي الأخيرة إليك
 :-" اتقي الله فينا يا شيخ "!
 
                  

أحدث أقدم

نموذج الاتصال